أنّ في تلك الأخبار شهادة على خلافه ، إذ الرجوع إلى الأعدل وترجيحه على غيره لا ربط له بالجهة المذكورة. وكذا الحال في عدّة من المرجّحات المقرّرة ، كما لا يخفى على المتدبّر.
ومنها : ما دلّ من الأخبار على حجّية قول الثقة والاعتماد على نقله ، إذ من البيّن أنّ الوثاقة لا يبلغ إلى درجة العصمة حتّى يمتنع في شأنه الخطأ والغفلة. كيف! وقد وقع من أعاظم الثقات من السهو والاشتباه في أسناد الروايات ومتونها ما لا يخفى على المتتبّع في الأخبار ، سيّما كتابي التهذيب والاستبصار ، مضافا إلى ما عرفت من الاكتفاء في العدالة بحسن الظاهر. ومن الظاهر أنّه بمجرّده لا يفيد العلم بحصول العدالة ، فلو سلّمنا قضاء تلك الصفة بعدم وقوع الكذب والغفلة والزيادة والنقيصة من المتّصف بها فكيف! يعقل القول بقضاء الظنّ بها للعلم بذلك.
ومنها : غير ذلك من الأخبار المتكثّرة الدالّة على حجّية أخبار الآحاد حسب ما فصّل في محلّه.
فالملخّص من ملاحظة مجموع الأخبار المذكورة القطع بحجّية الظنّ في نفس إثبات الأحكام الشرعيّة. وكون كلّ واحد من تلك الروايات ظنّيا لا يقدح في المقصود بعد كون القدر الجامع بينها قطعيّا ، على أنّهم يدّعون قطعيّة الأخبار ، فكلّ واحد منها حجّة قاطعة بالنسبة إليهم.
هذا وقد زعمت الأخباريّة عدم جواز الاجتهاد في نفس الأحكام الشرعيّة وحكموا بحظرها في الشريعة لشبه واهية ، وشكوك ركيكة ، واضحة الفساد ، غير صالحة للاعتماد عند من له أدنى مسكة لا بأس بالإشارة إلى جملة منها.
منها : أنّه لا دليل على جواز العمل بالظنّ ، فلا وجه للرجوع إليه والتعويل في استنباط الأحكام عليه.
وفيه : أنّه لا كلام في عدم جواز الاستناد إلى الظنّ من غير قيام دليل عليه ، وما ادّعي من انتفاء الدلالة في المقام فهو بيّن الفساد. كيف! ولو لم يكن هناك دليل على حجّيته سوى انسداد سبيل العلم ـ وانحصار الطريق في الظنّ مع القطع ببقاء