أحدهما : أنّه قد اعتضد الفتوى حينئذ بالحكم وتقوّى به فلا يجوز نقضه بمجرّد الفتوى الثاني.
وأورد عليه في النهاية ومنية اللبيب : بأنّ حكم الحاكم تابع لحكم الشيء في نفسه لا متبوع له ، إذ حكم الشيء عندنا لا يتغيّر من جهة حكم القاضي وعدمه ، فلا يجعل حكم القاضي ما ليس بحلال حلالا أو بالعكس. وحينئذ فأيّ فائدة في انضمام حكم القاضي وعدمه.
ثانيهما : أنّ جواز نقض الحكم بمجرّد تغيير الاجتهاد مخالف للمصلحة الّتي تنصب القضاة لأجلها فإنّ المقصود ...
إلى هنا جفّ قلمه الشريف أعلى الله مقامه ورفع الله درجته (١).
قد عرفت أنّ الناس في زمان الغيبة صنفان : مجتهد أو مقلّد ، وعرفت الحال في الواسطة بينهما من المحتاطين ، ومرّ تفصيل القول فيهم. وكذا عرفت الحال في غير القادر على الاجتهاد والوصول إلى فتوى المجتهد الحيّ. وأمّا من يكون قادرا عليه أو على سائر المراتب المتأخّرة عنه جاهلا بالحكم غير آخذ به على الوجه المقرّر على ما هو الحال في كثير من عوام المسلمين فقد وقع الخلاف في حاله أنّه هل يعذر لجهالته أو لا؟ والمقصود حينئذ في المقام توضيح الحال فيه ، وتفصيل الكلام في صحّة عمله وفساده ، ولنجر الكلام في مطلق الجاهل.
فنقول : إنّ الجاهل إمّا أن يكون جاهلا بالحكم أو بموضوعه ، وعلى التقديرين فإمّا أن يكون جاهلا صرفا أو متردّدا ، وعلى كلّ حال فإمّا أن يأتي بالفعل على وفق الواقع من جهة الموافقة الاتّفاقيّة أو لرعاية الاحتياط ، أو لا يأتي به على ما هو الواقع ، وما يراعى فيه الاحتياط إمّا أن يكون في الحقيقة موردا للاحتياط أو يكون الاحتياط فيه من جهة جهله بالحال مع وضوح الأمر بعد الرجوع إلى العالم ، وعلى كلّ حال فإمّا أن يلحظ ذلك في العبادات أو في العقود والإيقاعات أو غيرهما من الأفعال.
__________________
(١) من هنا إلى آخر الكتاب لم يرد في المخطوطات.