اللفظ أو المعنى علاقة ، لأنّ الأمر الانتزاعي يحمل على منشأ انتزاعه فيقال لزيد الأب الذي انتزع عنه الابوّة : إنّ زيدا أب فليس منشأ ذلك إلّا الاعتبار ، فاعتبار الواضع أوجد المناسبة بين اللفظ والمعنى مع عدم مناسبة بينهما مع قطع النظر عن اعتبار الواضع ، فباعتبار الواضع حصلت العلقة وصار اللفظ الكذائي وجودا تنزيليا للمعنى الكذائي ، كما أنّك ترى بأنّ من يجعل علامة لشيء مثلا لكشف الفرسخ فينصب على رأس كلّ فرسخ علامة فبذلك الاعتبار يصير ذلك علامة ، كذلك بعد الوضع والاعتبار يصير اللفظ الكذائي وجودا تنزيليا للمعنى الكذائي ، غاية الأمر فالعلامة المنصوبة على رأس الفرسخ لم تكن وجودا تنزيليا للفرسخ ، بل هو علامة له ، وأمّا في الوضع فبعد وضع الواضع يصير اللفظ وجودا تنزيليا للمعنى.
إذا عرفت ذلك وأنّ هذه العلقة تكون أمرا اعتباريا ناشئة من اعتبار الواضع فنقول : إنّ بعد وضع الواضع اللفظ الكذائي للمعنى الكذائي واعتبار ذلك ، فذلك الوضع منتسب الى الواضع باعتبار كون ذلك فعله فبالمعنى المصدري والتسبيبي فعل الواضع ومرتبط بالواضع وله ربط باللفظ والمعنى لحصول الارتباط بينهما وفيه حيث المعنى المصدري يعني حصول العلقة ، فبكلّ تلك الجهات يمكن أن يقال في بيان الوضع.
فباعتبار المعنى المصدري يمكن أن يقال : الوضع تعيين اللفظ للمعنى ، أو تنزيل اللفظ للمعنى ، أو تخصيص اللفظ بالمعنى. وباعتبار الارتباط بينهما يصحّ أن يقال : الوضع هو ارتباط خاص بين اللفظ والمعنى ، وباعتبار اسم المعنى المصدري يعني حصول العلقة يصحّ أن يقال : الوضع هو تخصص اللفظ بالمعنى ، ولكن عليك أن لا تخلط الجهات الثلاثة كلّ منها بالآخر فلا تقل بمعنى مصدري الوضع انّه ارتباط خاص بين اللفظ والمعنى ، أو بالمعنى المصدري إنّه تخصيص اللفظ بالمعنى ، بل تقول بكلّ اعتبار ما يناسبه.