ثمّ إنّ ما ذكرنا من تنظير الوضع بالعلامة كان من باب التقريب للذهن وإلّا بينهما بون بعيد ، ولا يكون الوضع كالعلامة ، بل هما أمران مختلفان ولكلّ منهما بعض الجهات المخصوصة.
ونقول لتوضيح الفرق بينهما مقدمة : إنّ في بعض الامور التي تكون دلالتها ذاتية كالمرآة الدّال على المرئي يكون النظر حال النظر الى المرآة الى نفس المرئي ولا نظر بالمرآة أصلا ، فمن ينظر في المرآة لا يرى إلّا نفس صورته ، ولا يكون توجهه إلّا الى صورته ، ولا نظر ولا توجه له بالمرآة أصلا ، ولذا يكون النظر استقلالا بالمرئي ، وليس المرآة إلّا آلة لملاحظة المرئي ، فالشخص المقابل للمرآة ، مثلا زيد المقابل له لا يرى إلّا نفسه ، ولا توجه له إلّا نحوه.
فعرفت أنّ النظر ليس إلّا بالمرئي أوّلا وبالذات لا أن يكون النظر والتوجه أوّلا وبالذات بالمرآة ، ثم ينتهي النظر الى المرئي ثانيا وبالعرض ، بل النظر ليس إلّا بالمرئي استقلالا ولا نظر بالمرآة إلّا مرآة ، بل ربّما لا يتوجه الشخص للمرآة أصلا حين النظر اليها.
وأمّا في باب العلامة فليس الأمر كذلك ، بل الشخص ينظر أوّلا بالعلامة وينتقل من ذلك الى ما هو العلامة له بالملازمة ، فالنظر اليها أوّلا وبالذات وبما هو العلامة علامة له ثانيا ، وبالعرض مثلا إذا رأى الشخص العلامة المنصوبة للفرسخ ينتقل أوّلا بها ثم بواسطتها ينتقل الى الفرسخ لا أن يتوجّه الشخص بالفرسخ أوّلا بمجرّد النظر بالعلامة بحيث كان نظره الاستقلالي به ونظره الآلي بالعلامة. كما ترى أنّ الأمر كذلك في مطلق الدلالات الالتزامية غير ما يكون دلالته ذاتية فإنّ الشخص بعد الانتقال بالملزوم ينتقل باللازم.
إذا عرفت ذلك يكشف أنّ باب الوضع غير باب العلامة فإنّ الوضع يكون من قبيل الأوّل يعني أنّ اللفظ يكون وجودا تنزيليا للمعنى ، فإذا ألقى المتكلم اللفظ فهو