ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي والمدني. وكان أول مصحف ابن مسعود البقرة ثم النساء ثم آل عمران. وكذا مصحف أبيّ وغيره. ثم ساق السيوطي رحمهالله بعد نحو صفحتين صورة عن الترتيب الذي في مصحف أبيّ بن كعب ومصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما (١). وقد قال شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رحمهالله تعالى : إن ترتيب السور بالاجتهاد لا بالنصّ في قول جمهور العلماء من الحنابلة والمالكية والشافعية ، فيجوز قراءة هذه قبل هذه ، وكذا في الكتابة.
ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها ، نعني لما اتفقوا على المصحف في زمن عثمان صار هذا مما سنّه الخلفاء الراشدون. وقد دل الحديث على أن لهم سنة يجب اتباعها. وواضح كل الوضوح أن محل اتباع هذه السنة التي يجب اتباعها إنما هو في كتابة المصحف الذي يكون للتلاوة لا في كتابة تفسير وشرح لمعاني الآيات والسور الكريمة. فإن ذلك غير داخل في موضوع اختلاف العلماء أو اتفاقهم إطلاقا. بل هم فيما روي متفقون على سواغيته وجوازه. والله تعالى أعلم».
وقد استخرنا الله بعد أن تلقينا هذين الجوابين من الأستاذين الجليلين وعزمنا على السير في الطريقة المذكورة لما لها من فوائد عظيمة دون أن يكون لها مساس بقدسية ترتيب المصحف.
ولقد أورد السيوطي في كتاب «الإتقان» (٢) ترتيبات نزول للسور المكية والسور المدنية منسوبة إلى جابر بن زيد والحسين وعكرمة وابن عباس ، وترتيبا رابعا لم يذكر صاحبه. ولقد اطلعنا في مقدمة «تفسير الخازن» على ترتيب وفي مقدمة تفسير «مجمع البيان» على ترتيب آخر ، وفي المصحف الذي كتبه الخطاط الشهير بقدر وغلي ـ والذي طبع بتصريح من وزارة الداخلية المصرية وإذن مشيخة المقاريء المصرية من قبل عبد الحميد أحمد حنفي ـ ترتيب آخر أشير إليه في رؤوس السور. وبين هذه الترتيبات السبعة بعض التخالف من ناحية التقديم
__________________
(١) الكلام الذي ساقه الأستاذ أبو غده للسيوطي هو من كتابه «الإتقان» ج ١ ، ص ٦٥ وما بعدها أيضا من الطبعة المذكورة قبل.
(٢) انظر الجزء الأول من طبعة مطبعة عبد الرزاق ص ١٠ وما بعدها.