ونحو ذلك إلا مع فرض أنهم كانوا يقرأون من المصاحف ولم يسمعوها من النبي ، وإن هذا كان شأن أئمة القراءة التابعين وتابعي التابعين فالنبي لم يكن يتلو من مصحف وكان ما يبلغه وحيا ، وإذا كان يجنح إلى التيسير كما يدل عليه أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف مما سوف نبحث فيه في مناسبة أخرى (١) فإن هذا منه إنما كان على ما نعتقد بقصد التسهيل على الناس في مخارج الحروف والأداء لأن هذا متصل بتكوين آلة النطق البشرية ومتصل كذلك بعادة إخراج الحروف وأدائها تبعا لاختلاف اللهجات أو المنازل العالية والواطئة والحارة والباردة والتي لا معدى من التسهيل فيها وحكمتها واضحة قائمة ؛ وليس في هذا التسهيل تبديل وتغيير في كلمات القرآن وحروفه ونحوه وصرفه. إذ أنه ليس مما يحتمل أن يكون النبي قرأ مرة «يفعلون» وأخرى «تفعلون» ومرة «تغفر» وأخرى «يغفر» ومرة «فتبينوا» وأخرى «فتثبتوا» (٢) ومرة «ييأس» وأخرى «يتبين» (٣) فضلا عن عدم احتمال تبديله الكلمات بغيرها ولو في معناها مما يروى في غير نطاق رسم المصحف العثماني ولا سيما أن الخلافيات في هذه هي أكثر الخلافيات حتى لقد رأينا الزمخشري في كشافه يروي أمثلة كثيرة جدا منها. ولعله يستقيم أن يفرض أيضا أن القراء التابعين كانوا يقرأون على قراء الصحابة من المصحف قراءات مختلفة ناشئة عن تلك الأسباب والعلل الطبيعية وإن قراء الصحابة كانوا يحبذونها استئناسا بما كان من تساهل النبي وأمره بالتيسير في قراءة القرآن.
أما والحالة على ما ذكرنا فإن مما يخطر للبال سؤال عما إذا كان هناك ضرورة دينية لهذه القراءات المتعددة المختلفة بل والمتباينة حينا في قطر واحد. والذي نراه أنه ليس هناك من ضرورة دينية لذلك ، وخاصة بالنسبة لجمهور المسلمين ، وأنه يكفيهم أن يقرأوا القرآن بقراءة واحدة من القراءات المأثورة من
__________________
(١) أوردنا هذه الأحاديث وعلقنا عليها في الفصل الرابع من الكتاب «البحث السادس».
(٢) سورة الرعد ، الآية : [٣١].
(٣) سورة النساء ، الآية [٩٤].