ـ ٣ ـ
اللغة القرآنية :
ثالثا : إن لغة القرآن في مفرداتها وتراكيبها واصطلاحاتها وأساليبها وأمثالها وتشبيهاتها واستعاراتها ومجازاتها هي لغة البيئة النبوية وإنها مألوفة ومفهومة ألفة وفهما تامين من أهلها.
وليس الذي نعنيه بهذا تقرير قضية قد تكون بديهية في بعض الأذهان ولكن الذي نعنيه وجوب ملاحظة ذلك حين النظر في القرآن لأنه يساعد على فهم اصطلاحات لغة القرآن وأساليبها وأمثالها وتعبيراتها واستعاراتها ومجازاتها من جهة ، وكون القرآن من جهة ثانية قد وجّه أول ما وجّه إلى أناس ألفوا لغته كل الألفة وفهموها كل الفهم ، ووصلوا في عقولهم ومعارفهم وبيانهم ودقة تعابيرهم وبلاغة أساليبهم وفصاحة ألسنتهم ، والاستمتاع بمتنوع أشكال الحياة المادية والمعاشية ، والنفوذ إلى المفاهيم الأخلاقية والاجتماعية والدينية والعلمية والأدبية إلى درجة غير يسيرة من الرقي متناسبة مع ما عبرت عنه وأشارت إليه وتضمنته لغة القرآن ، مما هو نتيجة لازمة لكون القرآن إنما نزل بلسانهم ، وكون لغة القوم هي أصدق مظهر لحياتهم المادية والعقلية والاجتماعية والدينية (١). ثم نعني بالإضافة إلى هذا أن ينتفي من ذهن الناظر في القرآن المعنى الذي حلا لبعضهم أن ينوه به وهو انطواء بعض حروف القرآن وكلماته بل وبعض جمله وتعابيره وصور سبكه ونظمه على أسرار وألغاز ومعميات وكذلك المعنى الذي قرره بعضهم من علو طبقة اللغة القرآنية عن أفهام سامعيها إطلاقا دون استثناء ، والمعنى الذي قرره بعضهم من أن لغة القرآن قد احتوت أو قصد أن تحتوي جميع لهجات ولغات العرب القديمة والحديثة مع لغات الأمم الأخرى.
ففي «الإتقان» للسيوطي فصول عديدة تشير إلى هذه المعاني ونذكر خاصة منها الفصل السابع والثلاثين كما أن كثيرا من الكتب الموضوعة عن القرآن وتفسيره
__________________
(١) في عصر النبي وبيئته قبل البعثة بحوث مستفيضة في كل ذلك مقتبسة من الآيات القرآنية.