قد احتوت تقرير هذه المعاني أيضا وفي الأقوال الواردة في تلك الفصول وهذه الكتب المروية أو الصادرة عن علماء قديمين كثير من التكلف والتزيد والتجوز والتخمين والتورط إن لم نقل التحريف.
ولقد جاء فيما جاء في فصول «الإتقان» نقلا عن كتاب «الإرشاد» للواسطي في صدد تعدد اللغات التي احتواها القرآن أن في القرآن خمسين لغة وهي لغات قريش وهذيل وكنانة وخثعم والخزرج وأشعر ونمير وقيس وعيلان وجرهم واليمن وأزد شنؤة وكندة وتميم وحمير ومدين ولخم وسعد العشيرة وحضر موت وسدوس والعمالقة وأنمار وغسان ومذحج وخزاعة وغطفان وسبأ وعمان وبني حنيفة وتغلب وطي وعامر بن صعصعة والأوس ومزينة وثقيف وجذام وبلي وعذره وهوازن والنمر واليمامة ومن غير العربية الفارسية والرومية والنبطية والحبشية والبربرية والسريانية والعبرانية والقبطية .. ولو عرف القائل قبائل عربية وأمما غير عربية أخرى غير الذي ذكره لأوردها أيضا .. وزاد غيره تفريعا فقال إن فيه من لغة بلي لغات الطائف وثقيف وهمدان ونصر بن معاوية وعك وليس هذا كل ما قيل وإنما هو أوسع ما قيل فإن في فصول «الإتقان» أقوالا كثيرة في هذا الباب. وكلام القائلين ليس هو من قبيل تقرير ما قد يكون معقولا وصحيحا من أن لغة القرآن التي هي لغة قريش متطورة مع الزمن عن لغات العرب قبل نزوله ، ومن أن في القرآن ألفاظا معربة عن اللغات الأجنبية أعلاما وغير أعلام دخلت على اللغة العربية القرشية وجرت مجراها وصارت جزءا منها قبل نزوله كذلك ، بل بقصد تقرير أن ذلك التعدد واقعي وأنه إنما كان أولا بسبب أن القرآن حوى علوم الأولين والآخرين ونبأ كل شيء فلا بدّ من أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن لتتم إحاطته بكل شيء فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالا وثانيا بسبب أنه امتاز عن غيره من سائر الكتب المنزلة فنزلت هذه بلغة القوم الذين أنزلت عليهم ولم تدخل فيه لغة من لغات غيرهم في حين أن القرآن احتوى جميع لغات العرب والعجم. وثالثا بسبب أن النبي محمدا عليهالسلام مرسل إلى كل أمة وقوم وقد قال الله (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) [إبراهيم : ٤] فلزم أن يكون