في الكتاب المنزل عليه شيء من لسان كل قوم وإن كان أصله بلغة قومه هو.
وجميع هذه المعاني لا تصح في حال. فمن ناحية علو طبقة القرآن عن أسماع الناس وأفهامهم أو انطواء حروفه وكلماته على أسرار وألغاز ومعميات فإن في القرآن نصوصا حاسمة تنفي ذلك حيث تنص على أنه أنزل بلسان مبين أي واضح مفهوم وإن آياته قد فصلت تفصيلا ، وإنه أنزل ليتدبره السامعون ويعقلوه ويفهموه ويحلون به ما يختلفون فيه كما أنه كان موجها إلى كل طبقة من أهل بيئة النبي عليهالسلام يحكي كلامهم وأسئلتهم ويرد عليها مجيبا أو منددا أو مكذبا أو ملزما أو واعظا أو مشرعا أو في هذا ما يتنافى كذلك مع تلك المعاني. وهذا فضلا عن أنها غير متسقة مع مهمة النبي المكلف بمخاطبة مختلف الطبقات والمأمور بتبليغ ما أنزل إليه من ربه لهم والذي كان يتلوه على الناس كافة من مختلف الفئات في جميع ظروف سيرته الشريفة في عهديها المكي والمدني وأنها غير متسقة مع كون القرآن هدى للناس كافة يؤمرون باتباع ما أنزل فيه وتدبر آياته والتروي في أحكامه ومحتوياته ، ويقال لهم فيه إنه مرجعهم في مختلف شؤونهم ، ومنه يستمدون تشريعهم وأخلاقهم ونذرهم وبشائرهم وحلول مشكلاتهم إلخ. ومن ناحية احتواء القرآن مختلف لهجات ولغات الأمم عربها وعجمها وقديمها وحديثها على المقصد الذي شرحه القائلون فإنه لا يتسق في حال مع نصوص القرآن المطلقة والمتعددة بأنه أنزل بلسان عربي وجعل لسانا عربيا وإنه أنزل بلسان النبي العربي القرشي ولا مع نصّ حديث البخاري في صدد نسخ المصاحف في عهد عثمان الذي احتوى تقريرا صريحا بأنه إنما أنزل بلغة قريش.
ومن هذا الباب ما قيل حتى أصبح مستفيضا وحجة خطابية حاضرة من أن الله كما أرسل موسى في ظرف ارتقى فيه السحر وشاع بمعجزة تشبه السحر وليست سحرا فغلب الساحرين ، وأرسل عيسى في ظرف ارتقى فيه الطب وشاع بمعجزة تشبه الطب فأتى بما يعجز الطب والأطباء فإنه أرسل محمدا بالقرآن فائقا على بلاغة البلغاء في ظرف كانت سوق الفصاحة فيه رائجة ، وبلاغة الكلام فيه قد وصلت إلى أعلى الذرى نظما ونثرا فقصر عنه البلغاء والفصحاء وكان فيه معجزته ، فهذا القول