ضمائرهم ، وتبشير المستجيبين وإنذار المكابرين وإرشاد الضالين الجاهلين منهم ، وإن من الممكن أن تؤثر فيهم الدعوة فيستجيبوا تسليما وإذعانا وإدراكا أو خوفا وطمعا ورغبة ورهبة وإن الانحراف عن هذا النطاق والمدى إلى الجدل في ما وراء ذلك تكلف وتجوز وبعد عن مقاصد القرآن وأهدافه ، ومؤدّ إلى البلبلة والحيرة والتشويش على هذه المقاصد والأهداف وعلى الراغبين في تفهم القرآن والناظرين فيه.
ـ ١١ ـ
فهم القرآن من القرآن :
حادي عشر : إن الأوثق والأوكد والوسيلة الفضلى لفهم مدى القرآن ودلالاته وتلقيناته بل وظروف نزوله ومناسباته تفسير بعض القرآن ببعض ، وعطف بعضه على بعض ، وربط بعضه ببعض كلما كان ذلك ممكنا لغة أو مدلولا أو حادثا أو مناسبة أو سبكا أو حكما أو موقفا أو تقريرا ، وسواء ذلك ما يدخل في نطاق الأسس والأهداف أو الوسائل والتدعيمات. وإمكانيات ذلك قائمة على نطاق واسع في مختلف فصول القرآن المكية والمدنية. فإن القرآن يكاد يكون سلسلة تامة يتصل بعضها ببعض أوثق اتصال في ما يمثل من أدوار السيرة النبوية في عهديها كما أن من شأن عباراته وجمله وأحكامه ومشاهده وقصصه ومواعظه وحججه أن يفسر بعضها بعضا وأن يدعم بعضها بعضا.
وفائدة هذه الملاحظة عظيمة كما يتضح عند التدبر ، حيث يمكن أن تغني الناظر في القرآن عن الفروض والتكلف والتخمين ، وتحول بينه وبين التورط في موهمات التعارض والإشكالات اللغوية وغير اللغوية ، وكثيرا ما تساق على تمييز القوي من الضعيف والصحيح من الباطل من الأقوال والروايات الواردة في تفسير كثير من الآيات أو في مناسبات نزولها وأسبابها. وهذا باب واسع الشمول والمدى. ولنضرب مثلا لذلك آية وردت في سورة الأنعام جاء فيها (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) (١٥٩).