القول على ضوء ذلك أن من الجائز أن يكون تعبّد النبي صلىاللهعليهوسلم في غار حراء قائما راكعا ساجدا داعيا لله مسبحا مقدسا ذلك غير أنه لا يمكن القول بجزم أنه كان يصلي بالصلاة الإسلامية المعروفة بحذافيرها لأن الآثار التي أوردناها تفيد أن هذه الصلاة كانت من تعليم جبريل بعد الوحي والله تعالى أعلم.
ومن الجدير بالذكر أن الصلاة الإسلامية المفروضة والنافلة على السواء ، غير مقيدة بمكان وإمامتها غير منوطة بما يعرف في الملل الأخرى بطبقة الكهنوت ورجال الدين. فكل مكان طاهر ليس محلا للمناظر الكريهة يصح أن يكون مكانا لصلاة المسلم. وكل مسلم مهما كانت مهنته وصفته ولونه وجنسه يصح أن يؤمّ غيره إذا كان يحسن قراءة القرآن ويعرف سنن الصلاة ، ولقد روي في صدد هاتين المسألتين أحاديث في الكتب المعتبرة. ففي صدد المسألة الأولى روى أبو داود والترمذي والحاكم عن أبي سعيد عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الأرض كلّها مسجد إلّا الحمام والمقبرة» (١) وروى الترمذي عن ابن عمر «أنّ رسول الله نهى أن يصلّى في سبعة مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمّام ومعاطن الإبل وفوق ظهر البيت الحرام» (٢). وروى الخمسة إلّا أبا داود عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «فضّلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرّعب وأحلّت إليّ الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون» (٣).
تعليق على آية
(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى)
وبمناسبة ورود هذه الآية لأول مرة نقول : إن القرآن احتوى آيات كثيرة ، نسبت فيها الرؤية والسمع إلى الله تعالى ، وإنه دار جدل وتشاد بين علماء الكلام
__________________
(١) «التاج» ج ١ ص ٢١٩ ـ ٢٢٠.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه ص ٢٠٥.