«أنزل الله عليّ أمانين لأمتي ، (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال / ٣٣] فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة» (١). وحديث أورده ابن كثير في سياق آية النساء المار ذكرها أخرجه ابن مردويه عن علي قال : «سمعت أبا بكر هو الصديق يقول سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول ما من عبد أذنب فقام فتوضّأ فأحسن الوضوء ، ثم قام فصلّى واستغفر من ذنبه إلا كان حقا على الله أن يغفر له لأنّ الله يقول : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) [النساء / ١١٠] الآية» ، حيث ينطوي في كلّ هذا تلقين نبوي متسق مع التلقين القرآني.
ويحسن بنا أن ننبه في هذا المقام على نقطة هامة ، وهي أن الاستغفار يعني التوبة أو هو صيغة من صيغها. وللتوبة شروط وهي الندم على الذنب والعزم على الإصلاح وعدم الرجوع إليه في فسحة من العمر والعافية على ما تفيده الآيات الكثيرة التي سوف نوردها ونعلق عليها في سياق سورة البروج التي ذكرت فيها التوبة لأول مرة والتي يأتي تفسيرها في هذا الجزء. وفائدة الاستغفار إنما تتحقق بذلك ولا تكون بحركة اللسان والشفتين وحسب. ومن الأولى أن تحمل الأحاديث النبوية الخاصة على الاستغفار والمبشرة بفوائده على ذلك.
تعليق على تعبير سبيل الله
وتعبير «سبيل الله» يأتي لأول مرة في الآية التي نحن في صددها وإن كانت مدنية. ولقد التبس مفهومه بحيث صار كثير من الناس يظنون أنه الجهاد ووسائله ؛ لأنه جاء كثيرا في آيات الجهاد ، غير أن إمعان النظر في هذه الآيات يكشف أنه غير الجهاد وأنه أعم منه وأن الجهاد بالمال والنفس إنما شرع لأجله ، وأنه في الحقيقة مرادف لمعنى طريق الله ودعوته ودينه وتعاليمه الإيمانية والأخلاقية والاجتماعية والإنسانية والسياسية والتهذيبية التي احتواها القرآن
__________________
(١) التاج ، ج ٤ ص ١٠٩.