الناس جزاء أعمالهم التي اكتسبوها بقوة هذه المشيئة والقابلية للاختيار والكسب التي أودعها الله فيهم بمقتضى إرادته وحكمته ومشيئته الأزلية. وعبارة الآيات ومعظم آيات القرآن التي تنسب الأفعال والتفكير للإنسان من الأدلة التي تكاد تكون حاسمة على ذلك. ويتبادر لنا إلى هذا أنه أريد بالآية تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم حتى لا يغتم بموقف الإعراض والعناد والمناوأة والتكذيب الذي وقفه الجاحدون. وقد تكرر مثل ذلك في مواضع كثيرة في القرآن مثل آية سورة فاطر هذه : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) (٨) ، وآية القصص هذه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٥٦) ، وآية سورة الأنعام هذه : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥) إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٣٦) بحيث تبدو بذلك حكمة التنزيل في الأسلوب. ويلحظ أن الآيات نسبت اكتساب الهدى والاستجابة إلى أصحابها مما قد يكون فيه دليل على صحة تأويلنا ، والله أعلم.
تعليق على تحدي الكفار للنبي صلىاللهعليهوسلم
بالآيات وأجوبة القرآن على ذلك ودلالتها
ولقد تكررت حكاية القرآن لصور عديدة من تحدي الجاحدين ومعجزاتهم ، والآية [٥٢] من هذه الآيات احتوت أولى مرات التحدي ـ إذا صحت روايات المفسرين ـ وليس ما يمنع صحتها ، لأن الصورة مؤيدة بنص قرآني آخر على ما أوردناه قبل ، وذلك بطلب الكفار إنزال كتب إليهم فيها تأييد لصحة رسالة النبي صلىاللهعليهوسلم وأمر باتباعه. وقد ردت الآيات التالية عليهم ، فبينت أن موقفهم هو في حقيقته راجع إلى عدم خوفهم من الآخرة ، وأن رسالة النبي صلىاللهعليهوسلم والقرآن الذي يتلوه عليهم تذكرة فمن شاء تذكر واهتدى. ولم تجبهم إلى تحديهم. ولقد ظلت آيات القرآن