والآيات متصلة بالسياق ومعقبة على ما سبقها كما هو ظاهر. والخطاب فيها موجّه إلى المكذبين بصراحة. وهو حكاية لما سوف يقال لهم يوم القيامة. وقد تكرر هذا الأسلوب في القرآن كثيرا بقصد تصوير الحال كأنما يراها السامع حتى يرتدع عن الغي ويستجيب إلى الدعوة.
والوصف في المقطع الأول قوي مرعب. فجهنّم التي يساق المكذبون إليها والتي كانوا يكذبونها ترمي بشرر عظيم الحجم والطول. وقد ضرب عليها رواق ذو ثلاث شعب يظنه الرائي ظلا واقيا ولكنه لا يلبث أن يعرف أنه لا يصلح للاستظلال ولا يقي من اللهب.
وكذلك ما احتواه المقطعان التاليان حيث يحكيان ما سوف تكون عليه حال المكذبين من سوء وحرج. فهم لا يستطيعون أن يقولوا شيئا ، ولا يسمح لهم بالاعتذار عمّا بدا منهم ويتحدون بأسلوب السخرية والاستهتار فيقال لهم لقد جمعناكم جميعا الأولين والآخرين فاصطنعوا أي حيلة وتوسلوا بأي وسيلة للخلاص من قبضة الله إذا استطعتم.
وكل هذا من شأنه أن يثير الفزع في السامعين ويحملهم على تدبر أمرهم قبل فوات الوقت وهو مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر.
تعليق على ما يمكن أن يتوهم من تناقض
في حكاية حال الكفار يوم القيامة
ولقد يبدو تناقض بين الآيتين [٣٦ ، ٣٧] اللتين تقرران أن الكفار في ذلك اليوم لا ينطقون. ولا يؤذن لهم فيعتذرون وبين آيات أخرى سابقة ولاحقة فيها إشارة إلى ما يكون في الآخرة من حجاج ومحاورات بين الله والكفار وبين الملائكة والكفار وبين المؤمنين والكفار وبين الكفار أنفسهم. وفيها اعتذارات عما بدا منهم مثل آيات سورة المدثر هذه : (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ