وتسجيل أعمال الناس توجب الإيمان بما ذكرته من ذلك ولو لم تدرك العقول كيفيته مع الإيمان بأن وروده في القرآن بالأسلوب الذي ورد به لا بدّ من أن يكون له حكمة. وفي الآية [١٦] من آيات (ق) التي نحن في صددها تقرير كما هو ظاهر بأن الإنسان تحت مراقبة الله عزوجل وإحاطته مباشرة وأنه قريب جدا إليه وأنه يعلم كل ما يجول في ذهنه وتوسوس به نفسه فضلا عن ما يباشره من أعمال ويلفظه من أقوال. وفي سورة يس هذه الآية : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢)) حيث ينسب الله عزوجل الكتابة والإحصاء إلى نفسه. وهذه التقريرات متكررة أيضا كثيرة في القرآن. وقد مرّ أمثلة منها وستأتي أمثلة كثيرة أخرى.
ولما كان علم الله الشامل محيطا بكل شيء ولا يخفى عليه شيء من أعمال خلقه وهو غني عن الاستعانة على ذلك بالراصدين والرقباء والكتّاب والشهود وإبراز ذلك يوم القيامة في صورة كتب توزّع على الناس. ولما كان الناس قد اعتادوا في حياتهم تسجيل الأعمال ورصدها والشهادة عليها في مقام الاحتجاج على ما صدر منهم حتى لا يكون أي مجال للإنكار والمماراة. ولما كانت حكمة الله قد اقتضت أن تكون صور المشاهد الأخروية من مألوفات الناس في الدنيا فيتبادر أن هذا من هذا الباب وأنه قصد من ذكره بالأسلوب الذي ورد به تحذير الناس وتنبيههم إلى أن كل ما يفعلونه محصيّ مسجّل عليهم لا يمكن أن يماروا فيه حتى يظلوا مجتنبين ما فيه إثم وفاحشة مجتهدين في الأعمال الصالحة التي يرضى الله عنها. وفي بعض الأحاديث التي أوردناها ما يدعم هذا التوجيه ويتسق مع هذا القصد والله تعالى أعلم.
تعليق على جملة
(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)
ولقد رأينا بعض المفسرين يتوقفون عند جملة (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) فيؤولونها بأن ذلك بواسطة الملائكة تفاديا من معنى حلول الله أو اتحاده بخلقه