بعضا بها وأن المقصد الحقيقي منها هو التنديد بما يبدو من كثير من الناس من مثل هذه الأخلاق والطبائع غير المستحبة ، وأنه لا ينبغي حملها على محمل قصد بيان أن الله قد خلق الإنسان أو تعمد خلقه على هذه الطبائع التي ندّد بها في مختلف المناسبات القرآنية ولا سيما أن الله سبحانه قد نبّه في سياق الآية التي نحن في صددها وفي المناسبات المماثلة أن الله بيّن للناس طريقي الخير والشرّ والتقوى والفجور ، وأوجد فيهم قابلية التمييز بينهما وجعلهم مسؤولين عن اختيارهم وسلوكهم إن خيرا فخير وإن شرا فشرّ ؛ مما مرّ منه أمثلة عديدة في المناسبات السابقة.
تعليق على آية
(وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)
ومع ما قلناه في تأويل آية (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) فإنها تحتمل أن يكون قصد بها أو انطوى فيها إشارة إلى ما أودعه الله عزوجل في الإنسان من عقل يستطيع أن يميز به بين الخير والشرّ ويختار بينهما ، كما تحتمل أن يكون قصد بها أو انطوى فيها إشارة إلى ما في القرآن والدعوة النبوية من تبيان معالم الخير والشر والهدى والضلال والتقوى والفجور ، وهذا الاحتمال لا ينقض ما تضمنته الآيات على كل حال من تقرير قابلية الاختيار في الإنسان ومسؤوليته عن اختياره كما هو واضح.
ولقد روى الطبري حديثا عن النبي صلىاللهعليهوسلم في سياق الجملة جاء فيه : «إنما هما نجدان نجد الخير ونجد الشرّ فما جعل نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير».
والمتبادر أن الحديث ينطوي على سؤال تعجبي أو تنديدي للذي يحبّ نجد الشر أكثر من نجد الخير حيث يدعم هذا معنى قابلية الاختيار في الإنسان ومسؤوليته عن اختياره.
تعليق على آيتي (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ)
وقد ذكرنا معنيين لآيات (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) وهما أن هذه الجوارح أوجدها الله في الإنسان لتشهد على أفعاله أو تجعله يميز بين الخير