هواه وغوي وأنه من أجل ذلك ظالم لنفسه ولم يظلمه الله.
والوجه في تأويل العبارة على ما يتبادر لنا هو أن الله قادر على رفعه بالآيات التي آتاه إياها ولكنه تركه لاختياره وقابليته التي أودعها فيه فساقه ذلك إلى ما هو متّسق مع سجيته الفاسدة ونيته الخبيثة مما انطوى تقريره في آية سورة الإسراء هذه : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤)) وقد أوّلها الزمخشري بأن الله أراد أن يقول إن الرجل لو لزم العمل بالآيات ولم ينسلخ منها لرفعناه بها. وقد أوّلها السيد رشيد رضا بأن الله لو أراد رفعه بها لخلق له الهداية وحمله عليها ولكنه لم يفعل لأنه مخالف لسنّته. وقد أوّلها الطبرسي بأن الله يقول لو شئنا لحلنا بينه وبين الانسلاخ فارتفع شأنه ولكنّا تركناه لاختياره وقابليته. ولم نر في كتب المفسرين الأخرى التي بين أيدينا ما يتعارض مع هذه التأويلات التي فيها وجاهة وسداد أيضا.
(مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨) وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩) وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠)) [١٧٨ ـ ١٨٠]
(١) ذرأنا : خلقنا أو جعلنا.
(٢) لحد : ولحد بمعنى مال وانحرف عن الحق. والكلمة في مقامها تعني ما كان المشركون يخلطونه من أسماء شركائهم بأسماء الله عزوجل.
لم يرو المفسرون مناسبة خاصة في نزول هذا الفصل والمتبادر أنه متصل بالسياق كذلك. وقد جاء معقبا على ما قبله. وفيه ما في سابقيه من تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين وتثبيت لهم. فمن يهده الله اهتدى ونجا ومن يضلله خسر. وفي الجنّ