بيان ذلك : أنّ الحروف على قسمين : أحدهما : ما يدخل على المركّبات الناقصة والمعاني الإفرادية «من» و «إلى» و «على» ونحوها ، وثانيهما : ما يدخل على المركّبات التامّة ومفاد الجملة ، مثل : حروف النداء والتشبيه والتمنّي والترجّي ونحو ذلك.
أمّا القسم الأوّل فهو موضوع لتضييق المفاهيم الاسميّة في عالم المفهوم والمعنى ، وتقييدها بقيود خارجة عن حقائقها ، ومع هذا لا نظر لها إلى النسب والروابط الخارجيّة ، ولا إلى الأعراض النسبيّة الإضافيّة ؛ إذ التخصيص والتضييق إنّما هو في نفس المعنى ، سواء كان موجودا في الخارج أم لا.
توضيح ذلك : أنّ المفاهيم الاسميّة بكلّيّتها وجزئيّتها وعمومها وخصوصها قابلة للتقسيمات إلى ما لا نهاية ، باعتبار الحصص أو الحالات التي تتضمّنها ، ولها إطلاق وسعة بالقياس إلى هذه الحصص أو الحالات ، سواء كان الإطلاق بالقياس إلى الحصص المنوّعة مثل : إطلاق الحيوان بالإضافة إلى أنواعه المندرجة تحته ، أو بالقياس إلى الحصص المصنّفة أو المشخّصة ، مثل : إطلاق الإنسان بالنسبة إلى أصنافه أو أفراده ، أو بالقياس إلى حالات شخص واحد ، من حيث كيفه وكمّه وسائر أعراضه الطارئة وصفاته المتبادلة في طول الزمان ومرور الأيّام.
ومن البديهي أنّ غرض المتكلّم في مقام التفهيم والإفادة كما يتعلّق بتفهيم المعنى على إطلاقه وسعته ، كذلك قد يتعلّق بتفهيم حصّة خاصّة منه ، فيحتاج حينئذ إلى مبرز لها في الخارج ، وبما أنّه لا يكاد يمكن أن يكون لكلّ واحد من الحصص والحالات مبرزا مخصوصا ؛ لعدم تناهي الحصص والحالات ، بل عدم تناهي حصص معنى واحد وحالاته ، فضلا عن المعاني الكثيرة ، فلا محالة