والحروف حاكية عنها ، ولكن لها خصوصيّة إن استعملت الحروف وحدها لا تحكي عنها ، بل لا معنى لكلمة «من» وحدها ، وليس لازم ذلك عدم الواقعيّة أصلا ، كما قال به المحقّق النائيني قدسسره ، وهذا قسم من الحروف التي سمّيت بالحروف الحاكية ، وأكثر الحروف من هذا القبيل.
وقسم آخر منها لا يحكي عن واقعيّة ، بل توجد بها معان أخر كالعقود والإيقاعات ، وهو عبارة عن حروف التأكيد ، مثل : كلمة «أنّ» و «اللام» الذي هو سبب لتحقّق التأكيد وإيجاده ، لا أنّه حاك عنه ، وحروف القسم مثل : حرف «ب» و «ت» و «و» التي توجد القسم بلحاظ وضع الواضع له ، وحروف النداء مثل : حرف «أي» و «يا» الذي وضع لتحقّق النداء وإيجاده ، وسمّيت بالحروف الإيجاديّة.
وأمّا كيفيّة الوضع في باب الحروف الحاكية فاعلم أنّ الوجودات الواقعيّة في المعاني الحرفيّة ليست لها الماهيّة التي تتحقّق في الخارج ، وقد تتحقّق في الذهن ، بل الواضع حين وضع كلمة «من» للواقعيّة الابتدائيّة يلاحظ مفهوم الابتداء النسبي الذي لا يكون للحمل الشائع نسبة ، فإنّه ليست بنسبة واقعيّة ، ويشهد له أنّ النسبة الخارجيّة تحتاج إلى الطرفين ، بخلاف مفهوم النسبة كما هو واضح ، بل هو عنوان يلاحظه الواضع ثمّ يضع اللفظ للمعنونات الخاصّة ، أي واقعيّات الابتداء الخارجي.
ولكن أشكل على هذا المعنى صاحب الكفاية قدسسره كما أشرنا إليه سابقا بأنّ الموضوع له والمستعمل فيه لكلمة «من» في جملة : «سر من البصرة إلى الكوفة» والخصوصيّة المحكيّة فيها غير معلومة ، وعليك بيانها.
وإن شئت قلت : إذا كانت الحروف على قسمين : إمّا إيجاديّة وإمّا حكائيّة ،