فيها واحدا شخصيّا بسيطا من جميع الجهات.
وإن كان الواحد في المقدّمة الاولى واحدا عنوانيّا فالحال فيه أوضح من الواحد النوعي، فإنّ القاعدة المذكورة لو تمّت إنّما تتمّ في الواحد الحقيقي لا في الواحد العنواني ، والمفروض أنّ الغرض في كثير من العلوم واحد عنواني لا واحد حقيقي ، فإنّ الاقتدار على الاستنباط في علم الاصول وصون اللسان عن الخطأ في المقال في علم النحو ، ... ليس واحدا بالذات ، بل واحد بالعنوان الذي انتزع من مجموع الأغراض المتباينة المتعدّدة بتعدد القواعد المبحوث عنها في العلوم ليشار به إلى هذه الأغراض ، فكلّ قاعدة منها منوطة بغرض من الأغراض المتباينة ، فحينئذ كيف يكشف مثل هذا الواحد عن جامع ذاتي؟! فلا يكشف الواحد العنواني إلّا عن واحد عنواني. فالدليل الذي أقامه المشهور لأصل احتياج العلوم إلى الموضوع ليس بتامّ.
وأقاموا أيضا دليلا آخر لاحتياج العلم إلى الموضوع وهو : أنّ من المسائل التي تبحث في المقدّمة مسألة تمايز العلوم.
وقال بعض المحقّقين ـ كالمحقّق الخراساني (١) والمحقّق العراقي (٢) وآخرين ـ : إنّ تمايز العلوم يكون بتمايز الأغراض ، فإذا كان الغرض واحدا فيكون العلم أيضا واحدا ، وإذا كان الغرض متعدّدا فيكون العلم أيضا متعدّدا.
ولكنّ المشهور بين العلماء أنّ تمايز العلوم بتمايز الموضوعات ، والظاهر من هذا القول أنّ العلوم تحتاج إلى الموضوع ، وإلّا كيف يكون تمايز العلوم بتمايز الموضوعات؟! وهذا دليل على أنّ أصل الاحتياج عندهم كان من المسلّمات.
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٥.
(٢) نهاية الأفكار ١ : ٧.