تبعي بالنسبة إلى المعنى ، وإلّا يلزم عدم دخالة اللفظ من حيث حسنه وقبحه في إلقاء المعنى ، مع أنّ الخطيب يسعى في استخدام ألفاظ حسنة لإلقاء مطالبه ، فكيف يعقل فناء اللفظ في المعنى مع أنّهما من المقولتين المتباينتين؟!
وثانيا : لو سلّمنا أنّ ماهيّة الاستعمال هي فناء اللفظ في المعنى إلّا أنّ كلا المعنيين لمّا كانا في عرض واحد فلا مانع من فنائه فيهما ؛ إذ لا يكون هاهنا أوّليّة وثانويّة ، بل كلاهما في عرض واحد.
الاحتمال الثاني : أنّ المعنى حين الاستعمال يتعلّق به اللحاظ الاستقلالي ، وإذا كان المعنى متعدّدا فاللحاظ الاستقلالي الذي يتعلّق بها أيضا كان متعدّدا ، وأمّا لحاظ اللفظ فيكون تابعا للحاظ المعنى ، فإذا استعمل في شيئين يكون تابعا لهما في اللحاظ ، فيجتمع فيه اللحاظان الآليّان بالتبع ، وهو كما ترى.
ويحتمل قويّا أن يكون مراده قدسسره هذا الاحتمال ، ولعلّه كانت جملة «إلّا أن يكون اللاحظ أحول العينين» ناظرة إلى هذا المعنى ، وهذا هو الأقرب إلى كلامه قدسسره.
وإن كان مراده هذا الاحتمال فيجاب بأنّ اللفظ والمعنى قد يلاحظان بنظر المتكلّم ، وقد يلاحظان بنظر السامع.
توضيحه : أنّ المولى قبل صدور الأمر منه يلاحظ المعنى ويتوجّه إليه ، ولكن يتوجّه إلى اللفظ حين صدور الأمر وتفهيم مراده العبد ، فيلاحظه تبعا للمعنى ويقول : «جئني بماء» إلّا أنّه لا دليل لأن يكون اللحاظ التبعي متعدّدا ، بل يلاحظه تبعا بلحاظ واحد ، فيلاحظ المعنيين ثمّ يلقي كليهما بلفظ واحد ، فإذا كان الملحوظ بلحاظ استقلالي متعدّدا فلا يستلزم أن يكون الملحوظ باللحاظ التبعي أيضا متعدّدا.