من جهة أنّ المادّة موضوعة لذلك كما في الاجتهاد ونحوه ، وقد يكون من جهة استفادة ذلك من الهيئة كما في المكنسة والمفتاح ، فإنّ المادّة فيهما ـ وهي الفتح والكنس ظاهرة في الفعليّة لا في القابليّة والاستعداد ، ولكنّ الهيئة فيها موضوعة لإفادة تلبّس الذات بها شأنا واستعدادا ، فالمفتاح والمكنسة موضوعان لما من شأنه الفتح والكنس ، لا للمتلبّس بالكنس والفتح فعلا.
وفيه : أوّلا : أنّ ما ذكره في ذيل كلامه كان في الحقيقة عدولا عمّا ذكره ابتداء في عنوان البحث ومناقضا له.
وثانيا : سلّمنا أنّ هذا الكلام جار في اسم الآلة ، فإنّ له هيئة واحدة ، ولكنّ الاختلاف في هيئة الفاعل ـ كالتاجر والضارب ـ يرجع إلى خصوصيّة الهيئة أو المادّة ، مع أنّ الهيئة فيهما واحدة ولم يؤخذ في مادّتهما عنوان الحرفة ، فالإشكال في محلّه.
وقال البعض : إنّ عنوان كلّ من «التاجر» و «الضارب» و «المجتهد» ونحو ذلك قد يستعمل مجرّدا وبدون الجري على الذات ، وقد يستعمل بصورة القضيّة الحمليّة والجري على الذات ، وإذا كان بالصورة الاولى فلا فرق بين العناوين المذكورة من حيث تحقّق الفعليّة في الجميع ، وأمّا إذا كان بالصورة الثانيّة فيتحقّق لكلّ من العناوين معنى من المعاني المذكورة ، كالحرفة في قضيّة «زيد تاجر».
ونظيره قيل في الفقه في مسألة الماء الجاري ، فإنّ له خصوصيّات ، منها النبعان من الأرض ، فاحتمل هنا أنّ لفظ الجاري قد يستعمل مجرّدا فلا دخل للخصوصيّة المذكورة في مفهومه ، وقد يستعمل ويجعل صفة للماء مثل الماء الجاري ، فيكون لهذه الخصوصيّة دخلا فيه.