الجهة الاخرى منها تحت عنوان الأمر الخامس ، ولكنّهما في الحقيقة مسألة واحدة ، فلا بدّ من بحثهما معا كما فعل الإمام قدسسره.
الأمر الثالث : في ملاك الحمل
ولا يخفى عليك أنّ للمسألة جهتين : الاولى : في أنّه ظهر ممّا سبق أنّ المشتقّ له معنى قابل للحمل على الذات ، والمبدأ بعكسه كما مر ، فلا شكّ ولا شبهة في مغايرة المبدأ مع الذات التي يجري المشتقّ عليها.
الثانية : في أنّه بعد الاتّفاق على اعتبار المغايرة بينهما لا بدّ من الارتباط بينهما بوجه ، وكلّ من الجهتين وقع موردا للإشكال.
وقال صاحب الكفاية قدسسره (١) في الجهة الاولى : إنّه لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتقّ عليه مفهوما وإن اتّحدا عينا وخارجا ، فصدق الصفات ـ مثل العالم والقادر والرحيم والكريم إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال ـ عليه تعالى على ما ذهب إليه أهل الحقّ من عينيّة صفاته يكون على نحو الحقيقة ، فإنّ المبدأ فيها وإن كان عين ذاته تعالى خارجا إلّا أنّه غير ذاته تعالى مفهوما ، فلا فرق بين قولنا : «زيد عالم» وقولنا : «الله تعالى عالم» في إطلاق العالم عليهما على نحو الحقيقة ، فإنّ مناط الحمل ـ وهو الاتّحاد الوجودي في صفات الباري تعالى مع المغايرة المفهوميّة ـ موجود.
وأمّا صاحب الفصول فلمّا توهّم أنّ المراد من المغايرة المعتبرة بين المبدأ والذات هو التغاير الوجودي والواقعي التزام بحمل صفات الباري تعالى عليه بالتجوّز ؛ بأن يراد بالعالم المحمول عليه تعالى غير معناه اللّغوي ، أو النقل ؛ بأن يكون حمله عليه سبحانه بمعنى آخر حقيقي مناسب لمعناه الأوّل ، فالعالم الذي
__________________
(١) المصدر السابق : ٨٥.