الأشاعرة ؛ إذ القيام الحلولي مستلزم للقوّة والنقص والتركيب ، تعالى عنه ، كما أنّ خلوّ الذات عن صفات الكمال مستلزم لذلك.
نعم ، أنّه تعالى متكلّم بوجه آخر حتّى في مرتبة ذاته يعرفه الراسخون في الحكمة ، فكلامه تعالى عبارة عن الوحي ، وأمّا حقيقة الوحي وكيفيّته ممّا لم يصل إليها فكر البشر إلّا الأوحدي الراسخ في العلم بقوّة البرهان المشفوع إلى الرياضات ونور الإيمان ، وقد أشار إلى بعض أسراها قوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)(١) ، وقوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى * ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى)(٢). وأفهام أصحاب الكلام من المعتزلة والأشاعرة بعيدة عن طور هذا الكلام والإعراض عنه أولى. فالتحقيق أنّ الحقّ مع الإمام قدسسره.
اتّحاد الطلب والإرادة وعدمه
ولكن لا بدّ لنا من ذكر محلّ النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة قبل بيان استدلالهما في المقام ؛ لدفع ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره بعنوان محلّ النزاع والمصالحة بينهما ، ومحصّل كلامه : أنّ الحقّ هو اتّحاد الطلب والإرادة ، بمعنى أنّ لفظيهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد ، وما بإزاء أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر ، والطلب المنشئ بلفظه أو بغيره عين الإرادة الإنشائيّة.
وبالجملة ، هما متّحدان مفهوما وإنشاء وخارجا ، لا أنّ الطلب الإنشائي
__________________
(١) الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٤.
(٢) النجم : ٤ ـ ١١.