ولا تسمّى بالعلم ، فإذا دوّنت مسائل علم النحو نقول : هذا علم النحو.
وفيه : أوّلا : أنّ الغرض من علم النحو ـ مثلا ـ عبارة من صون اللسان عن الخطأ في المقال ، ولا شكّ في أنّ هذا متأخّر عن العلم بمراحل ، فإنّ اللازم أوّلا : وجود نفس المسائل ، وثانيا : التعلّم والاطّلاع عليها ، وثالثا : التقيّد بمراعاة القواعد والمسائل حين التكلّم ، فإن لم تكن مرحلة من هذه المراحل لم يحصل الغرض ، مع أنّ اللازم وجود التمايز في مرحلة نفس العلم إن لم يكن قبله ، فكيف يكون التمايز بالأغراض مع تأخّرها عن العلوم بمراحل؟
وجوابه : أنّه اختلطت عليك العلّة الغائيّة في مقام الخارج مع العلّة الغائيّة في مقام الذهن ؛ إذ لا شكّ في أنّ كلّ عمل خارجي يتأخّر وقوع غرضه ، وأمّا الوجود الذهني للعلّة الغائيّة فهو موجود قبل العمل.
وقال المحقّق الخراساني قدسسره : «إنّما هو باختلاف الأغراض الداعية إلى التدوين» (١). ومعلوم أنّ نفس هذا التعبير هو جواب عن هذا الإشكال.
وثانيا : أنّ العلوم من حيث الأغراض مختلفة ؛ إذ يترتّب على أكثرها أغراض خارجيّة ، مثل : علم الفقه والاصول والنحو والصرف ونحوها ، وأمّا بعضها فلا يترتّب عليه غرض خارجي سوى العرفان والإحاطة به ، مثل : علم الفلسفة والتأريخ والجغرافيا ؛ إذ لا يترتّب عليها إلّا الإيصال إلى الحقائق والواقعيّات ، فإن كانت العلوم من سنخ الأوّل سلّمنا أنّ تمايزها بتمايز الأغراض ، وإن كانت من سنخ الثاني لم يكن الأمر كذلك ؛ لعدم غرض خارجي لها ما عدا العرفان والإحاطة به.
وجوابه : أنّه إذا كان تمايز العلوم بتمايز الأغراض فلا فرق بين كونها علميّة
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٥.