والتحريك الوجوبي أم لا؟ ويستفاد من كلام استاذنا السيّد الإمام قدسسره (١) الاستحالة إلّا في بعض الصور ، ولكن لا بدّ لنا من ذكر مقدّمة توضيحا لكلامه قدسسره ، وهي :
أنّه قد مرّ في باب الحروف أنّ الوضع في الحروف عامّ ، وأمّا الموضوع له والمستعمل فيه فكانا خاصّين فيها ، بخلاف ما قاله به صاحب الكفاية قدسسره من أنّ كلّ واحد من المستعمل فيه والموضوع له فيها كالوضع عامّ ، وقلنا : إنّ هذا من المشترك اللفظي الذي يكون اللفظ الواحد لمعاني لا تعدّ ولا تحصى ، فكلمة «من» وضعت لمصاديق الابتداء لا لمفهومه الكلّي ، ومرّ أيضا أنّ المعاني الحرفيّة واقعيّات محتاجة إلى شيئين ، وكان مقام وجودها أدنى من مقام وجود الأعراض ، ولكنّ الحروف على قسمين : أحدهما : الحكائيّة مثل «من» و «إلى» و «في» ، وثانيهما : الإيجاديّة مثل «واو القسم» و «ياء النداء» وكما أنّ الحروف الحكائيّة لا تحكي إلّا عن المعاني الجزئيّة كذلك الحروف الإيجاديّة لا يوجد بها إلّا المعاني الجزئيّة. ويلحق بالحروف في خصوصيّة المعنى وجزئيّته وسائر أحكام الهيئات ، وهي أيضا على قسمين : الحكائيّة كهيئة فعل الماضي والإيجاديّة كهيئة «افعل» ، فعلى هذا وضعت هيئة «افعل» لمصاديق البعث والتحريك الاعتباري لا لمفهومه الكلّي ، ومعلوم أنّ مفاد هيئة «افعل» متقوّم بشيئين ـ أي الباعث والمبعوث ـ فتعامل معها معاملة الحروف.
ثمّ قال الإمام قدسسره بعد ما عرفت من المقدّمة : إنّ هيئة «افعل» لو دلّت على الوجوب بالدلالة الوضعيّة يتصوّر لها ثلاث صور : إحداها : أن يقيّد البعث والتحريك الاعتباري بمفهوم الإرادة الحتميّة ، وهو مستحيل ، فإنّك عرفت أنّ
__________________
(١) تهذيب الاصول ١ : ١٣٧ ـ ١٤١.