بمعنى الدلالة والحكاية كما في قولنا : آية كذا مقتضية لمعنى كذا. ونعلم أيضا أنّ معناه في المقام الأوّل من البحث عبارة عن العلّيّة والسببيّة ؛ إذ العقل يحكم بعد انطباق المأتي به مع المأمور به ؛ بأنّ تحقّق العمل مع خصوصيّاته علّة للإجزاء.
إنّما الكلام في المقام الثاني من البحث فهل لا بدّ لنا الالتزام بكونه بمعنى الدلالة والكاشفيّة حتّى يكون لكلمة «الاقتضاء» معنيان بلحاظ المقامين من البحث؟ قال صاحب الكفاية قدسسره (١) : إنّ المراد من الاقتضاء هاهنا الاقتضاء بنحو العلّيّة والتأثير لا بنحو الكشف والدلالة ، ولذا نسب إلى الإتيان لا إلى الصيغة ، فيكون الموضوع في كلا المقامين عبارة عن الإتيان والعمل الخارجي والإجزاء صفة له ، إلّا أنّ الحاكم بالإجزاء في المقام الأوّل هو العقل ، وفي الثاني دلالة دليل الأوامر الاضطراريّة والظاهريّة ، فالاقتضاء هاهنا أيضا بمعنى العلّيّة والتأثير. هذا ملخّص ما أفاده قدسسره.
واستشكل عليه استاذنا السيّد الإمام قدسسره (٢) واستفاد في النتيجة أنّه لا بدّ لنا من حذف كلمة «يقتضي» من عنوان المسألة ، وتبديله بأنّ الإتيان بالمأمور به مجزي أم لا يكون مجزيا؟ وتقريبه مع زيادة توضيح : أنّ مسألة العلّيّة والمعلوليّة عبارة من نحو ارتباط بين الواقعيّتين بحيث يكون أحدهما مؤثّرا في الآخر وموجدا له ، وهذا المعنى لا يتحقّق في ما نحن فيه ؛ لأنّ المقتضي والعلّة وإن كانت عبارة عن الإتيان بالمأمور به في الخارج وهو من الواقعيّات المسلّمة التكوينيّة ، ولكنّ المقتضي والمعلول عبارة عن الإجزاء ، ومعناه لغة الكفاية ، أي عدم لزوم الإعادة والقضاء ، فكما أنّ اللزوم أمر اعتباري كذلك
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) تهذيب الاصول ١ : ١٧٨ ـ ١٧٩.