الأمر الثاني
تعريف الوضع وأقسامه
وقبل الورود في مبحث معنى الوضع لا بدّ من بيان كيفيّة الارتباط بين اللّفظ والمعنى ، فقد نسب إلى بعض العلماء أنّ منشأ دلالة الألفاظ على المعاني هي المناسبة الذاتيّة بينهما ، من دون أن يكون هناك وضع وتعهّد من أحد ، ولكنّه لم يذكر دليلا مستقلّا على مدّعاه. نعم ، استدلّ لنفي مدخليّة الوضع هنا ، ثمّ استفاد منه العلاقة الذاتيّة بين اللّفظ والمعنى.
أقول : هل المراد من العلاقة الذاتيّة هي العلاقة العلّيّة والمعلوليّة أو العلاقة الاقتضائيّة؟ وعلى كلا التقديرين هل المقصود من المعنى واقعيّة المعنى أو انتقال ذهن المستمع إلى المعنى؟ فلو كان المراد علّيّة تامّة وواقعيّة المعنى ـ يعني كون الألفاظ علّة موجدة لحقيقة المعاني ، مثل : كون وجود النار علّة موجدة لحقيقة الحرارة ـ فلا شكّ في بطلانه ثبوتا وإثباتا. وهكذا لو كان المراد العلاقة الاقتضائيّة وواقعيّة المعنى ، بأن يكون اللّفظ علّة موجدة لحقيقة المعنى ولو بنحو الاقتضاء ، فإنّا نرى بالبداهة تحقّق اللفظ بعد تحقّق المعنى ؛ إذ التسمية تكون بعد الاختراع وولادة المولود لو التزم بشمول أعلام شخصيّة أيضا.
أمّا لو كان المراد علّيّة تامّة لانتقال ذهن المستمع من اللفظ إلى المعنى