الثاني دون الأوّل ليس بصحيح ، فإنّ عدم تحقّق البعث أو الزجر في مرتبة الإنشاء دليل على عدم تحقّق الحكم هنا أصلا بعد ما كان الوجوب والحرمة بمعنى البعث والزجر الاعتباري ، فكيف يكون ما لم يتحقّق فيه البعث أو الزجر من مراتب الحكم؟!
التفسير الثاني للحكم الإنشائي والفعلي ما ذكره استاذنا السيّد الإمام قدسسره (١) وهو أنّ الشارع في مقام التقنين لم يتّخذ طريقا خاصّا بل كيفيّة تقنينه هي الكيفيّة المتداولة بين العقلاء ، من جعل القانون ابتداء بصورة كلّيّة ؛ بمعنى تعلّق الإرادة الاستعماليّة على العنوان الكلّي ، ثمّ بيان مخصّصاته ومقيّداته بعنوان الاستثناء والتقييد في مقام الإجراء ومحدوديّة المراد الجدّي حسب ما تقتضيه المصالح.
والحكم الإنشائي ما هو مجعول بعنوان ضابطة كلّيّة نحو قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٢) ، وبعد بيان مخصّصاته ومقيّداته ، مثل قوله عليهالسلام : «لا تبع ما ليس عندك» (٣) ، و «نهى النبيّ عن بيع الغرر» (٤) يصير الحكم فعليّا ، فالحكم الفعلي ما تعلّقت به الإرادة الجدّيّة في مقام إتيان العمل وتحقّقه في الخارج ، ومن فوائد جعل الحكم الإنشائي التمسّك بإطلاقه في موارد الشكّ ، كالشكّ في حلّية بيع المعاطاة ـ مثلا ـ فالصحيح أنّه ليس للحكم الشرعي سوى هذين المرتبتين ، وهذا هو الحقّ ومطابق للواقعيّة.
التفسير الثالث : ما ذكره بعض الأعلام قدسسره (٥) من أنّه ليس للحكم إلّا
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ٧٠.
(٢) البقرة : ٢٧٥.
(٣) الوسائل ١٨ : ٤٧ ، الباب ٧ من أبواب احكام العقود ، الحديث ٢.
(٤) الوسائل ١٧ : ٤٤٨ ، الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٣.
(٥) مصباح الاصول ٢ : ٤٦.