علمه بحجّيّة الخبر الواحد ـ مثلا ـ بعد اختلاف العلماء فيها ، واختلاف القائلين بالحجّيّة بأنّ خبر العادل حجّة أو الثقة ، أو موثوق به ، وعدم علمه بالخبر المعارض ، وتشخيصه عن غير المعارض ، مع أنّه لا بدّ في جريان الاصول العمليّة في الشبهات الحكميّة من الفحص عن الدليل واليأس عن الظفر به ، فلا محالة يكون المكلّف المقسم عبارة عن المجتهد.
وأنكره المحقّق العراقي قدسسره (١) بأنّ المجتهد إذا انتهى نظره بحسب الروايات بأنّ الماء الكرّ إذا تغيّر أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة يصير نجسا ، ولكنّه لاحظ خارجا أنّ الماء المذكور زال تغيّره من قبل نفسه بعد مدّة ، فهو حينئذ صار شاكّا ببقاء نجاسته وعدمه ، فإن كان قائلا بحجّيّة الاستصحاب يجري الاستصحاب ويحكم بنجاسته.
وأمّا المقلّد في أصل الحكم بالنجاسة يقول به حسب فتوى المجتهد ، ولكنّه بعد زوال تغيّر الماء من قبل نفسه أيضا يشكّ في بقاء النجاسة ثمّ يرجع إلى المجتهد ويسأل منه بأنّ هذا هل وقع مورد تعرّض الروايات نفيا أو إثباتا أم لا؟ ويقول المجتهد بعدم تعرّضها له وكونه مشكوكا عنده ، وحينئذ يجري الاستصحاب نيابة عن المقلّد ، فلا دليل لاختصاص جريان «لا تنقض اليقين بالشكّ» في الشبهات الحكميّة بالمجتهد ، فالمكلّف المقسم لا يختصّ بالمجتهد ، بل يعمّ المجتهد والعامّي معا.
والتحقيق : أنّ التفكيك بين المراحل الثلاثة ـ أي مرحلة نجاسة الماء بالتغيّر ، ومرحلة المشكوكيّة بزوال التغيّر ، ومرحلة جريان الاستصحاب ـ من حيث الرجوع إلى المجتهد ليس بصحيح ، وهذا أمر بديهيّ ، مع أنّ السيرة العملية
__________________
(١) نهاية الأفكار ٣ : ٣.