العلم ، إلّا أنّ الجهل في لسان الشارع يكون في مقابل العقل كما نرى في الأدعية الواردة في ليالي القدر وآية التوبة ، كقوله تعالى : (لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ)(١) ؛ إذ لا شكّ في كونها بمعنى عمل لا ينبغي أن يصدر من العاقل ، وإلّا يلزم أن لا تكون التوبة للعالم العامد.
على أنّ التبيّن في الآية أعمّ من حصول العلم وقيام البيّنة ، فإنّها لا تكون في مقام نفي حجّية البيّنة في مورد ارتداد بني المصطلق أو عدمه ، فيكون للتبيّن مصداقان : العلم وقيام البيّنة ، والجهالة في مقابلهما.
ويرد رابعا على الاستدلال بالآية الشريفة : أنّه يلزم من كون القضيّة ذات مفهوم خروج المورد من عموم المفهوم ، مع أنّ خروج المورد من العموم مستهجن ؛ لأنّ انطباق العام على مورده يكون بالنصّ ، ومن الواضح أنّ مورد الآية هو الإخبار بارتداد بني المصطلق ، والارتداد موضوع من الموضوعات الخارجيّة التي لا تثبت إلّا بالعلم الوجداني أو البيّنة ؛ لاختصاص حجّية خبر الواحد بالأحكام ، فلو كان للآية مفهوم فلا بدّ وأن يستثنى المورد بأن يقال : صدّق العادل إلّا في الارتداد الذي هو مورد هذا العام ، وقد عرفت استهجانه.
وأجاب عنه المحقّق النائيني قدسسره (٢) بأنّ المورد إنّما كان إخبار الوليد الفاسق بارتداد بني المصطلق ، والآية الشريفة إنّما نزلت في شأنه لبيان كبرى كلّيّة ، والمورد داخل في عموم الكبرى ، وهي قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ، فإنّ خبر الفاسق لا اعتبار به مطلقا ، لا في الموضوعات ولا في الأحكام.
__________________
(١) النحل : ١١٩.
(٢) فوائد الاصول ٣ : ١٧٤.