الاحتمال الثالث : أن يكون المراد من الموصول مطلق فعل الشيء وتركه ، ومن الإيتاء الإقدار ، فيكون المعنى حينئذ : لا يكلّف الله نفسا بفعل شيء أو تركه إلّا إذا أقدرها عليه ومكّنها منه ، وعليه فتكون الآية أيضا أجنبيّة عن البراءة ؛ لأنّ مفادها رفع التكليف عن العاجز ردّا لمن يرى جواز التكليف بغير المقدور.
الاحتمال الرابع : أن يكون المراد من الموصول الجامع بين التكليف والمال ومطلق فعل الشيء وتركه ، والمراد بالإيتاء هو الجامع بين الإيصال والتمليك والإقدار ؛ بأن يكون الإيتاء بمعنى الإعطاء ، ولكنّ إعطاء كلّ شيء بحسبه ، فإعطاء التكليف إيصاله وإعلامه ، وإعطاء المال تمليكه ، وإعطاء مطلق فعل الشيء وتركه الإقدار عليه ، وحينئذ الآية الشريفة بعمومها تشمل ما نحن فيه ، وتكون دالّة على البراءة كالاحتمال الأوّل.
ولا يخفى أنّ الإشكال في الاحتمالات الثلاثة السابقة من جهة ظهور الآية ومقام الإثبات ، مع صحّة جريانها في نفسها ومقام الثبوت ، ولكنّ البحث في الاحتمال الأخير من حيث الإمكان ومقام الثبوت قبل وصول النوبة إلى الاستظهار ، فإنّه استشكل عليه بامتناعه ثبوتا.
توضيح ذلك : أنّ المراد بالموصول إن كان هو المال أو الفعل كان الموصول مفعولا به لفعل (لا يُكَلِّفُ اللهُ) بينما لو اريد به التكليف والحكم كان مفعولا مطلقا ، ومن الواضح عدم إمكان اجتماع نسبة فعل واحد في استعمال واحد إلى المفعول به والمفعول المطلق ، وذلك للتباين والتنافي بين النسبتين ، فإنّ نسبة الفعل إلى المفعول المطلق يحتاج إلى لحاظ كون المفعول من شئونه وأطواره على نحو لا يكون له وجود قبل وجود الفعل ، بل يكون وجوده بعين وجود الفعل مثل : «ضربت ضربا شديدا» ، وهذا بخلاف المفعول به فإنّه لا بدّ وأن