فمثلا : نجاسة الكفّار والمشركين ليس لأجل وجود قذارة فيهم كما هو شأن سائر الأعيان النجسة ، بل أراد الشارع الحكيم بذلك إبعاد المسلمين عن الكفّار وعدم الاختلاط بهم وترك معاشرتهم ؛ لئلّا تسري الأفكار الإلحاديّة في صفوف المسلمين ولا ينتشر الفساد والضلال في أوساطهم ؛ حفظا لشوكة المسلمين وأصالتهم وسيادتهم.
وعليه فمن الممكن أن يكون الموضوع لا اقتضائيّا ، إلّا أنّ الموانع الخارجيّة والمصالح السياسيّة الإسلاميّة تقتضي جعل الحرمة له ، وكذلك بالعكس.
وثانيا : أنّ ورود النهي من الشارع تحديدا للموضوع ليس بيانا لأمر بديهي لا يناسب شأن الإمام عليهالسلام ؛ لأنّ ما هو كالبديهي إنّما هو فيما لو اريد بالمطلق الإباحة العقليّة في مقابل الحظر العقلي ، ولكنّ مفروض البحث هو الإباحة الشرعيّة الواقعيّة التي هي من الأحكام الخمسة التكليفيّة المتوقّفة على الجعل والتشريع بالضرورة ، ولولاه لم يصحّ إسنادها إلى الشارع.
وثالثا : أنّ مقدّميّة عدم أحد الضدّين للضدّ الآخر إنّما هو ممتنع في دائرة التكوينيّات دون الاعتباريّات التي منها الأحكام الشرعيّة ، فلا مانع من تقييد الإباحة بعدم ورود النهي.
أضف إلى ذلك أنّه لا تضادّ بين الأحكام الشرعيّة كما ذكرناه مرارا ، فلا يجري فيها مقدّميّة عدم أحد الضدّين لوجود الضدّ الآخر.
وأمّا الصورة الثانية فأفاد قدسسره (١) في وجه امتناعها امورا ثلاثة :
الأوّل : أنّ موضوع الإباحة الظاهريّة هو الشيء المشكوك حكمه الواقعي ، وهذا الموضوع مغيّا بالعلم بالحكم ، نظير قوله عليهالسلام : «كلّ شيء لك حلال حتّى
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ١٨٧.