بصدد بيان حكم عقلي ؛ لأنّ ذلك خلاف ظاهر مولويّة الخطاب الصادر من الشارع.
فتحصّل : أنّ دلالة الرواية على البراءة ممّا لا إشكال يعتريه ، بل تكون البراءة المستفادة منها معارضة مع دليل الاحتياط.
الرواية الثالثة : قوله عليهالسلام : «الناس في سعة ما لم يعلموا» (١).
ولا شكّ في دلالته على البراءة ، وإنّما الكلام في أنّ المستفاد منه براءة محكومة لدليل الاحتياط أم معارضة له.
فذهب المحقّق النائيني قدسسره (٢) إلى أنّ كلمة «ما» إن كانت موصولة فالبراءة المستفادة من الحديث تعارض أدلّة الاحتياط ؛ إذ مفاده : أنّ الناس من جهة الجهل بالحكم الشرعي يكونون في سعة ، فيعارض به أخبار الاحتياط الدالّة على كون الناس في الضيق من جهة الحكم الشرعي المجهول.
وأمّا إن كانت مصدريّة زمانيّة فيكون مفاد الحديث : أنّ الناس ما داموا لا يعلمون يكونون في سعة ، فيكون دليل الاحتياط حاكما عليه ؛ لأنّه بيان ، وهو شبيه حكومة دليل الاحتياط على قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
والتحقيق : أنّ القسم الأوّل من كلامه قدسسره صحيح ولا يكون قابلا للمناقشة ، وأمّا القسم الثاني من كلامه قدسسره فلا يكون قابلا للمساعدة ، فإنّ المراد من «لا يعلمون» هو الجهل بالواقع ، فلا بدّ ممّا يرد في مقابله بعنوان البيان أن يرفعه وينقلب إلى العلم ، ومعلوم أنّ وجوب الاحتياط ليس بيانا للواقع حتّى يكون كذلك ، فإنّ مجرى الاحتياط ومورد دليل وجوب الاحتياط هو الشكّ في
__________________
(١) المستدرك ١٨ : ٢٠ ، الباب ١٢ من أبواب مقدّمات الحدود ، الحديث ٤.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٨١.