الحكم الواقعي ، ولا يمكن أن يكون الأصل العملي بعنوان البيان والعلم ورافعا للشكّ ، وعليه فالبراءة المستفادة من الحديث معارضة لأدلّة الاحتياط ، سواء كانت كلمة «ما» مصدريّة أو موصولة.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني قدسسره (١) ذهب إلى تفصيل آخر ، وتوضيحه : أنّ وجوب الاحتياط المستفاد من الأدلّة إمّا يكون طريقيّا ، بمعنى أنّ وجوب الاحتياط إنّما يكون طريقا إلى الحكم الواقعي المجهول ، فيكون الملاك في جعل وجوب الاحتياط من قبل الشارع مجرّد الاحتفاظ بالواقع في ظرف الجهل به ، ومن الواضح أنّه لا ثواب ولا عقاب لهذا الأمر الاحتياطي.
وإمّا يكون نفسيّا بأن يكون الاحتياط واجبا في نفسه من دون نظر إلى الواقع المجهول وذلك لجعل المكلّف أشدّ مواظبة وأقوى إرادة على ترك المحرّمات وإتيان الواجبات ، ومن الواضح ترتّب الثواب والعقاب على هذا الأمر الاحتياطي.
ثمّ إذا كان وجوب الاحتياط طريقيّا فتكون البراءة معارضة له ؛ إذ حديث السعة ظاهر في الترخيص في مورد الحكم الواقعي المجهول ، ودليل وجوب الاحتياط الطريقي ظاهر في أنّ إيجابه إنّما هو لأجل التحفّظ على الحكم الواقعي المجهول ، فيكون المكلّف في ضيق منه ، وهذا هو التعارض.
وأمّا إن كان إيجاب الاحتياط نفسيّا فحينئذ يكون رافعا لموضوع حديث السعة ويقدّم عليه ، وذلك لأنّ المكلّف بعد العلم بوجوب الاحتياط النفسي لا محالة يقع في ضيق من ناحية هذا الوجوب ، ولكن لا يقع في ضيق من ناحية الحكم الواقعي المجهول حتّى يعارض حديث السعة ؛ إذ وجوب الاحتياط ـ كما
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ١٧٧.