لكن بينهما فرق من حيث العذر وعدمه ، نظير ما لو علم المكلّف بوجوب إنقاذ أحد الغريقين على سبيل التخيير مع كون الواجب في الواقع واحدا معيّنا منهما ؛ فإنّه تارة يعصي المولى بعدم إنقاذ واحد منهما ، واخرى ينقذ غير من يجب إنقاذه بحسب الواقع ، ففي الصورتين وإن كان المأمور به قد ترك ولم يأت المكلّف به ، إلّا أنّه في الصورة الثانية معذور في المخالفة دون الصورة الاولى.
وثانيا : لو سلّم دوران الأمر الأقلّ بين كونه نفسيّا يترتّب على مخالفته العقاب أو غيريّا لا يترتّب عليه ، كدوران شيء بين الواجب والمستحبّ ، إلّا أنّا نقول : إنّ الملاك في جريان حكم العقل بالبراءة المستند إلى قبح العقاب بلا بيان ، هل هو عدم بيان التكليف أو عدم بيان العقوبة؟ لا سبيل إلى الثاني ، ألا ترى أنّه لو ارتكب المكلّف واحدا من المحرّمات بتخيّل ضعف العقاب المترتّب على ارتكابه فلا إشكال في صحّة عقوبته المترتّبة عليه في الواقع وإن كان من الشدّة بمكان.
وبالجملة ، فمستند حكم العقل بالبراءة ليس هو عدم البيان على العقاب ، بل عدم البيان على التكليف ، والبيان عليه موجود بالنسبة إلى الأقلّ قطعا ، ولذا لا يجوز تركه. وحينئذ فدوران أمر الأقلّ بين ترتّب العقاب عليه لو كان نفسيّا وعدم ترتّبه لو كان غيريّا لا يوجب أن لا يكون وجوبه معلوما ، ومع العلم بالوجوب لا يحكم العقل بالبراءة قطعا ، فلزوم الإتيان به معلوم على أيّ تقدير ، وبه ينحلّ العلم الإجمالي.
الإشكال الرابع : ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله وهو ينحلّ إلى وجهين :
أحدهما : ما ذكره في صدر كلامه ، وملخّصه : أنّ العقل يستقلّ بعدم كفاية الامتثال الاحتمالي للتكليف القطعي ؛ ضرورة أنّ الامتثال الاحتمالي إنّما يقتضيه