حصوله يشكّ في سقوط الأمر ، فمرجع الشكّ فيه إلى الشكّ في الإتيان بالمأمور به المسقط للأمر ، وقد عرفت أنّ لزوم العلم بإتيانه من الواضحات عند العقول.
هذا ، ولا يخفى أنّ المحقّق الخراساني رحمهالله اعتمد في الكفاية (١) على هذا الكلام وردّ ما أجاب به عنه الشيخ في الرسائل.
والتحقيق في الجواب عن هذا الإشكال أن يقال : إنّ هذه المسألة ـ وهي أنّ الأوامر والنواهي الشرعيّة هل هي تابعة للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة أم لا؟ ـ مسألة كلاميّة ، ومنشأ البحث فيها مسألة كلاميّة اخرى أيضا ، وهي : أنّه هل يمتنع على الله الإرادة الجزافيّة ، فلا يجوز عليه الفعل من دون غرض ـ كما عليه العدليّة ـ ، أو أنّه لا يمتنع عليه تعالى ذلك ، بل يجوز منه الإرادة الجزافيّة والفعل من دون غرض ومصلحة ، كما عليه الأشاعرة؟
فظهر أنّه بناء على مذهب العدليّة لا بدّ من الالتزام بعدم كون الأفعال الاختياريّة الصادرة عن الله تعالى خالية من الغرض والمصلحة ، أمّا أنه لا بدّ من أن يكون المأمور به حقيقة هو نفس تلك المصلحة والغرض ، أو يكون الغرض أمرا آخر مترتّبا على المأمور به ، فلا يستفاد من ذلك ، بل اللازم هو أن يقال بعدم كون إرادته تعالى المتعلّقة بإتيان المأمور به إرادة جزافيّة غير ناشئة من المصلحة في المراد. وهو كما يتحقّق بأحد الأمرين المذكورين كذلك يتحقّق بأن يكون المأمور به الذي هو عبارة عن مثل الصلاة والصوم والحجّ بنفسه مصلحة ومحبوبا ؛ لأنّه لا فرق في عدم كون الإرادة جزافيّة بين أن تكون الصلاة مؤثّرة في حصول غرض ومصلحة ، وهي «معراج المؤمن»
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ٢٣٣.