بحسب نظر العقل هو العلم بإتيان المأمور به الذي قامت الحجّة عليه ، وهو يحصل بإتيان الأقلّ فثبتت محبوبيّة تسعة أجزاء ـ مثلا ـ ويحكم العقل بإتيانها ، وأمّا الجزء العاشر فلم تثبت محبوبيّته ولم يصدر من المولى دليل على أنّه محبوب ، فتجرى البراءة العقليّة عنه.
الإشكال الثامن : وهو يختصّ بالواجبات التعبديّة ولا يجرى في التوصّليّات ، وهو أنّه لا بدّ فيها من قصد التقرّب ، وهو لا يكون إلّا بالواجب النفسي ؛ لأنّ الواجب الغيري لا يكون مقرّبا ، وحينئذ فمع الاقتصار على الأقلّ لا يكاد يمكن قصد التقرّب ؛ لأنّه يحتمل أن يكون الواجب في الواقع هو الأكثر وكان الأقلّ واجبا غيريّا ، وهذا بخلاف ما إذا أتى بالأكثر ، فإنّه يقطع بكونه مقرّبا إمّا بنفسه ، وإمّا بالأقلّ المتحقّق في ضمنه.
والتحقيق في الجواب أن يقال : أمّا أوّلا فلانّ المعتبر في العبادات أن لا يكون الإتيان بها بداع نفساني ، بل بداع إلهي اخروي ، ومن المعلوم أنّه لا فرق في ذلك بين الإتيان بالاقلّ أو بالأكثر ؛ ضرورة أنّ الآتي بالأقلّ لا يكون الداعي له إلى الإتيان به إلّا أمر إلهي. نعم ، لا يعلم بكون المأتي به ، هو المأمور به كما أنّ الآتي بالأكثر أيضا لا يعلم بذلك.
وبالجملة ، لا فرق بين الإتيان بالأقلّ أو بالأكثر في إمكان قصد التقرّب الذي مرجعه إلى الإتيان بالعمل لا لداع نفساني من رياء وغيره ، وكذا في عدم العلم بكون ما يأتي به هو المأمور به.
وأمّا ثانيا فلأنّ مبنى الإشكال على كون الأقلّ واجبا بالوجوب الغيري على تقدير كون متعلّق التكليف هو الأكثر ، وقد عرفت غير مرّة منع ذلك وأنّ الأجزاء واجبة بعين وجوب المركّب ، والأمر المتعلّق به يدعو إلى الأجزاء بعين دعوته إليه ، وحينئذ فالأقلّ واجب بالوجوب النفسي على التقديرين.