وبالجملة ، لا فرق في الداعي بين القائل بالبراءة والقائل بالاشتغال ، فإنّ الداعي بالنسبة إليهما هو الأمر المتعلّق بإقامة الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ، غاية الأمر أنّه لا يصلح للداعويّة في نظر القائل بالبراءة إلّا بالنسبة إلى ما علم انحلال الصلاة إليه من الأجزاء ، كما أنّه في نظر القائل بالاشتغال يدعو إلى جميع ما تنحلّ إليه واقعا ولو كان هو الأكثر ، ولذا لا يتحقّق العلم بامتثاله إلّا بالإتيان به. فلا اختلاف للداعى بالنسبة إليهما ، فيجوز الإتيان بالأقلّ بداعي الأمر المتعلّق بالصلاة بلا ريب ، ولا يوجب ذلك قدحا في عباديّتها أصلا ، كما لا يخفى.
هذا كلّه في البراءة العقليّة ، وقد عرفت جريانها وعدم ورود شيء من الإشكالات المتقدّمة عليها في جريان البراءة الشرعيّة في المقام.
وأمّا البراءة الشرعيّة فالظاهر أنّه لا مانع من جريانها بناء على ما هو مقتضى التحقيق من انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقلّ والشكّ في وجوب الأكثر ، كما عرفت ؛ وذلك لأنّ الأقلّ معلوم وجوبه النفسي تفصيلا والأكثر مشكوك ، فيكون مرفوعا بمثل حديث الرفع (١).
ولا فرق في ذلك بين أن يقال بدلالة الحديث على رفع الجزئيّة المجهولة بناء على إمكان رفعها لكونها قابلة للوضع ، أو يقال بدلالته على رفع الوجوب النفسي المتعلّق بالأكثر بناء على عدم إمكان رفع الجزئيّة ، وكيف كان ، فلا مانع من جريانها بالنسبة إلى الأكثر بناء على الانحلال.
وأمّا بناء على عدم الانحلال الموجب لعدم جريان البراءة العقليّة ، فهل تجري البراءة الشرعيّة مطلقا ، أو لا تجري كذلك ، أو يفصّل بين ما إذا كان العلم
__________________
(١) الوسائل ١٥ : ٣٦٩ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ١.