مقتضيا لوجوب الموافقة القطعيّة فتجري ، وبين ما إذا قيل بكونه علّة تامّة له فلا تجري؟ وجوه ، بل أقوال ، ذهب إلى الأوّل المحقّق الخراساني رحمهالله وإلى الأخير المحقّق العراقي على ما في تقريرات بحثه (١).
والحقّ هو الوجه الثاني ؛ لأنّه لو كان مجرى البراءة هو الوجوب النفسي المتعلّق بالأكثر المجهول فالأصل وإن كان يجري بالنسبة إليه لكونه مشكوكا ، إلّا أنّه معارض بالأصل الجاري في الأقلّ ؛ لأنّ وجوبه النفسي أيضا مشكوك بناء على ما هو المفروض من عدم انحلال العلم الإجمالي ؛ لأنّه يلزم من جريانهما مخالفة عمليّة للتكليف المعلوم المتحقّق في البين المردّد بين الأقلّ والأكثر.
ودعوى أنّ طبيعة الوجوب بالنسبة إلى الأقلّ معلومة بالتفصيل ، فلا تجري أصالة البراءة بالنسبة إليه ، وأمّا الأكثر فأصل تعلّق الوجوب به مشكوك فلا مانع من جريان الأصل فيه.
مدفوعة ، بأنّ الأمر المشترك بين الوجوب النفسي والغيري أمر انتزاعي لا يكون قابلا للجعل ؛ ضرورة أنّ المجعول إمّا هو الوجوب النفسي ، وإمّا هو الوجوب الغيري ، غاية الأمر أنّ العقل بعد ملاحظتهما ينتزع منهما أمرا واحدا ، وهو أصل الوجوب والإلزام ومعنى الجامعيّة الانتزاعيّة أنّها ليس بمجعول شرعي ، فلا يجري الأصل الشرعيّ نفيا وإثباتا فيما لم يكن بمجعول شرعيّ.
كما أنّ دعوى عدم جريان الأصل في الأقلّ بالنسبة إلى وجوبه النفسى ؛ لعدم ترتّب أثر عليه بعد لزوم الإتيان به على أيّ تقدير كان واجبا نفسيّا أو غيريّا ، فلا معارض للأصل الجاري في الأكثر.
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ٢٣٥.