اعتبار الفحص في جريان البراءة
وأمّا أصالة البراءة فيعتبر في جريانها في الشبهات الحكميّة الفحص ، والكلام فيه تارة يقع في أصل اعتبار الفحص ووجوبه ، واخرى في مقداره ، وثالثة فيما يترتّب على العمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والأحكام.
أمّا الكلام في أصل اعتبار الفحص ووجوبه فقد يقع في البراءة العقليّة ، وقد يقع في البراءة الشرعيّة.
أدلّة وجوب الفحص
أمّا البراءة العقليّة التي مدركها قبح العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان فلا إشكال في اعتبار الفحص فيها ؛ لأنّها متفرّعة على عدم البيان ، والمراد به وإن كان هو البيان الواصل إلى المكلّف جزما ، إلّا أنّ مناط الوصول ليس هو أن يعلم المولى كلّ واحد من المكلّفين بحيث يسمعه كلّ واحد منهم ، بل وصوله يختلف حسب اختلاف الموالي والعبيد.
فالمولى المقنّن للقوانين العامّة الثابتة على جميع المكلّفين إنّما يكون إيصاله للأحكام من الأوامر والنواهي بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، ثمّ الأحاديث المرويّة عن أنبيائه وأوصيائهم المحفوظة في الكتب التي بأيدي المكلّفين ، بحيث يتمكّن كلّ واحد منهم من الرجوع إليها والاطّلاع على أحكام الله جلّ شأنه.