والتحقيق : أنّ هذا التفصيل ليس بتامّ ؛ إذ النظر في استصحاب الكلّي لا يكون إلى الخصوصيّات الفرديّة وأنّه يتحقّق في ضمن أيّ خصوصيّة ، ولا يلزم أن تكون خصوصيّة الكلّي في البقاء عين خصوصيّة الكلّي في الحدوث ، بل النظر متمركز إلى عنوان الكلّي ، وهو في ما نحن فيه عنوان الإنسانيّة ـ مثلا ـ وبالنسبة إلى هذا العنوان لا فرق بين الصورتين ، والقضيّة المتيقّنة والمشكوكة في كلا الفرضين عبارة عن أنّه : كان الإنسان موجودا في الدار قطعا والآن نشكّ في بقاء الإنسان في الدار ، فإن قلنا بجريان الاستصحاب فلا بدّ من القول به فيهما ، وهكذا إن قلنا بعدم جريانه ، بلا فرق بينهما.
والمحقّق النائيني رحمهالله قائل بعدم جريان الاستصحاب في الكلّي من القسم الثالث مطلقا ، وقال : «بداهة أنّ العلم بوجود الفرد الخاصّ في الخارج إنّما يلازم العلم بوجود حصّة من الكلّي في ضمن الفرد الخاصّ ، لا أنّه يلازم العلم بوجود الكلّي بما هو هو ، بل للفرد الخاصّ دخل في وجود الحصّة حدوثا وبقاء ، والحصّة من الكلّي الموجود في ضمن الفرد الخاصّ تغاير الحصّة الموجودة في ضمن فرد آخر ، ولذا قيل : إنّ نسبة الكلّي إلى الأفراد نسبة الآباء المتعدّدة إلى الأبناء المتعدّدة ، فلكلّ فرد حصّة تغاير حصّة الآخر ، والحصّة التي تعلّق بها اليقين سابقا إنّما هي الحصّة التي كانت في ضمن الفرد الذي علم بحدوثه وارتفاعه ، ويلزمه العلم بارتفاع الحصّة التي تخصّه أيضا ، ولا علم بحدوث حصّة اخرى في ضمن فرد آخر ، فأين المتيقّن الذي يشكّ في بقائه ليستصحب؟» (١).
وقال استاذنا السيّد الإمام قدسسره في مقام الجواب عنه : «إنّ هذا ناش من عدم
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ٤٢٤ ـ ٤٢٥.