تعقّل الكلّي الطبيعي وكيفيّة وجوده ، وعدم الوصول إلى مغزى مراد القوم ، من أنّ نسبة الكلّي إلى الأفراد نسبة الآباء ؛ ضرورة أنّ الكلّي الطبيعي لدى المحقّقين موجود بتمام ذاته مع كلّ فرد من الأفراد ، فكلّ فرد في الخارج بتمام هويّته عين الكلّي ، لا أنّه حصّة منه ولا تعقل الحصص للكلّي ، فزيد إنسان ، لا نصف إنسان ، أو جزء إنسان ، أو حصّة منه ، فلا معنى للحصّة أصلا.
وبالجملة ، هذا الإشكال بمكان من الضعف يغني تصوّر الكلّي عن ردّه ، والعجب أنّ بعض أعاظم العصر ادّعى البداهة لما اختاره من الحصص للكلّي مع كونه ضروري الفساد» (١).
ومعلوم أنّ بعد بطلان هذا المبني لا يصحّ ترتّب الأثر المذكور عليه ، فنقول في المثال : كان الإنسان في الدار موجودا قطعا ، وبعد خروج زيد واحتمال وجود عمرو معه من الابتداء أو دخوله في الدار مقارنا مع خروجه عنه نشكّ في بقاء الإنسان فيه ، فنستصحب كلّي الإنسان ، ونرتّب آثاره الشرعيّة عليه.
ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري قدسسره بعد اختياره التفصيل بين الفرضين من استصحاب الكلّي من القسم الثالث والقول بعدم جريانه في الفرض الثاني استثنى موردا منه بقوله : «ويستثنى من عدم الجريان في القسم الثاني ـ أي الفرض الثاني من القسم الثالث ـ ما يتسامح به العرف ، فيعدّون الفرد اللاحق مع الفرد السابق كالمستمرّ الواحد ، مثل ما لو علم السواد الشديد في محلّ وشكّ في تبدّله بالبياض أو بسواد أضعف من الأوّل ، فإنّه يستصحب السواد» (٢).
والتحقيق : أنّ تبدّل مرتبة من العرض بمرتبة اخرى ليس من القسم الثالث
__________________
(١) الاستصحاب : ٩٢.
(٢) فرائد الاصول ٢ : ٧٥٥.