الحدث حينئذ بعد الوضوء ؛ لاحتمال اقتران الحدث الأصغر مع الجنابة ، وهي لا ترتفع بالوضوء. ولا يلتزم بهذا الحكم الشيخ قدسسره ولا غيره ؛ فإنّ كفاية الوضوء حينئذ من الواضحات. وهذا يكشف من عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث مطلقا.
وقال بعض الأعلام قدسسرهم في مقام الجواب عنه : «ولكنّ الإنصاف عدم ورود هذا النقض على الشيخ رحمهالله وذلك ؛ لأنّ الواجب على المحدث هو الوضوء ؛ لقوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(١) ، والجنب خارج من هذا العموم ويجب عليه الغسل ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(٢) ، فيكون وجوب الوضوء مختصّا بغير الجنب ، فإنّ التقسيم قاطع للشركة ، فالمكلّف بالوضوء هو كلّ محدث لا يكون جنبا ، فهذا الذي قام من نومه ويحتمل كونه جنبا حين النوم تجري في حقّه أصالة عدم تحقّق الجنابة ، فكونه محدثا محرز بالوجدان ، وكونه غير جنب محرز بالتعبّد الشرعي ، فيدخل تحت قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...) فيكون الوضوء في حقّه رافعا للحدث ، ولا مجال لجريان الاستصحاب في الكلّي ؛ لكونه محكوما بالأصل الموضوعي» (٣).
ويمكن الجواب عنه بأنّ الآية مشتملة على قضيّتين ، كأنّه قال : إذا تحقّق النوم يجب الوضوء ، وإذا تحقّقت الجنابة يجب الاغتسال ، ولا ارتباط بينهما ولا دليل لتقييد موضوع وجوب الوضوء وتركيبيه ـ أي النوم وعدم الجنابة ـ كما إذا قال المولى لعبده : «إن جاءك زيد فأكرمه» ، ثمّ قال : «إن جاءك عمرو فأهنه» ، فمجيء زيد سبب مستقلّ لوجوب إكرام زيد ، ولا دليل لدخالة قيد
__________________
(١) المائدة : ٦.
(٢) المائدة : ٦.
(٣) مصباح الاصول ٣ : ١١٥ ـ ١١٦.