لا أنّه غير منهي عنه مع كونه من نقض اليقين بالشكّ (١).
ولا بدّ لنا قبل الورود في البحث من بيان مقدّمة يتّضح في ضمنها ما هو التحقيق في المقام ، وهي :
أنّه إذا لاحظنا الدليلين الصادرين عن المولى ، فقد لا يتحقّق الارتباط بينهما من حيث الموضوع والمحمول ، ولا يتحقّق التعارض بينهما ، ولا يتحقّق التقدّم والتأخّر بينهما ، مثل : قوله : «يجب إكرام العلماء» وقوله : «يحرم إكرام الجهّال».
وقد يتحقّق بينهما التعارض بدون أن يكون أحدهما متقدّما على الآخر ، كلّ يتعرّض لما ينفيه الآخر ، مثل : قوله : «يجب إكرام العلماء» وقوله : «يحرم إكرام العلماء».
وقد يتحقّق الترجيح والتقدّم لأحد الدليلين على الآخر بعد التعارض ، وإنّما الكلام في مناط الرجحان وملاك الترجيح والتقدّم ، والمعروف والمتعارف منه عبارة عن الأقوائيّة في الظهور من تقدّم النصّ على الأظهر ، والأظهر على الظاهر ، مثل : قوله : «رأيت أسدا» وقوله في كلام منفصل : «رأيت أسدا يرمي» ؛ إذ يتحقّق لكلّ من الكلامين ظهور إلّا أنّ أحدهما يكون متقدّما على الآخر ؛ لرجحان ظهوره عليه ، ولعلّه كان تقديم الدليل المخصّص على الدليل العامّ بهذا الملاك كما سيأتي تفصيله في باب التعادل والتراجيح.
وقد يكون ملاك التقديم والترجيح تعرّض أحد الدليلين لما لم يتعرّضه الآخر ، مثل : قوله : «أكرم العلماء» وقوله : «الفسّاق ليسوا من العلماء» ، بمعنى أنّ الحكم الثابت للعلماء لا يشمل الفسّاق منهم ، كما هو المتداول في المحاورات العرفيّة ، مع أنّ الدليل الأوّل لا يكون متعرّضا لبيان المصداق ، ولا شكّ في
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ٣٥٠ ـ ٣٥١.