الطهارة : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» (١) بمعنى أنّ كلّ شيء غير معلوم النجاسة محكوم بالطهارة ، وقوله في دليل أصالة البراءة «رفع ما لا يعلمون» (٢) ، ومعلوم أنّ المراد من العلم فيها ليس اليقين الوجداني ، بل المراد منه هو تحقّق الحجّة على الطهارة ، وتحقّق الحجّة على الحلّيّة ، وتحقّق الحجة على التكليف فالمراد من العلم هو مطلق الحجّة الشرعيّة أو العقليّة ، فمعنى قوله : «رفع ما لا يعلمون» أنّه رفع التكليف الذي لا يكون على إثباته حجّة وقوله «كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه» أنّ كلّ شيء لم تقم الحجّة على حرمته فهو محكوم بالحلّيّة ، وهكذا دليل قاعدة الطهارة ، ونظر العرف أيضا يساعد على هذا المعنى ، كما لا يخفى.
وقد عرفت أنّ مفاد قوله «لا تنقض اليقين بالشكّ» أنّه لا تنقض الحجّة بلا حجّة ، فجعل الشارع اليقين السابق حجّة تعبديّة بالنسبة إلى الزمان اللاحق وزمان الشكّ ، فإذا كان الاستصحاب في مورد الاصول المذكورة جاريا لا يبقى مجال لجريانها ، فإنّ مورد جريانها مختصّ بفقدان الحجّة ، فوجود الاستصحاب يوجب اضمحلال موضوعاتها ؛ لكونه حجّة تعبّديّة لإثبات الحكم وإثبات الحرمة والنجاسة ، فيكون تقدّمه عليها بنحو الورود ، وتقدّم الأمارات على الاصول العمليّة أيضا يكون من هذا القبيل.
تعارض الاستصحابين
وكان لصاحب الكفاية رحمهالله هنا كلام جامع (٣) مع تكملة لنا ، وهو : أنّ
__________________
(١) الوسائل ٢ : ١٠٥٤ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤.
(٢) الوسائل ١١ : ٢٩٥ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، الحديث ١.
(٣) كفاية الاصول ٢ : ٣٥٤.