الثالث : ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله وهو أنّ مع قطع النظر عن لزوم التناقض في مقام الإثبات لا يمكن تعبّد الشارع المكلّف العالم بنجاسة أحد الإنائين ببقاء الطهارة في كلّ واحد منهما ، فإنّ كاشفيّة العلم وحجّيّته ذاتيّة كعدم إمكان التعبّد به في صورة العلم التفصيلي بالنجاسة وإن كان مرجع هذا القول إلى مقالة الشيخ رحمهالله ولكنّ محذور عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي عنده ثبوتي (١).
والأولى تمحيض البحث في تعارض الاستصحابين بعد الفراغ عن جريانهما وأنّ مقتضى القاعدة بعد البناء على الجريان هل هو سقوطهما أو العمل بأحدهما مخيّرا مطلقا أو بعد فقدان المرجّح وإلّا فيؤخذ بالأرجح؟
وأمّا بعد البناء على عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ، إمّا للمحذور منه ثبوتا أو لقصور أدلّته إثباتا ، فلا يبقى مجال لهذه البحث.
والحاصل : أنّ البحث هاهنا إنّما هو في تعارض الاستصحابين لا في جريانهما وعدمه في أطراف العلم ، فنقول : بناء على جريان الاستصحاب في أطراف العلم ذاتا وكون المحذور هو المخالفة العمليّة أو قيام الدليل على عدم الجمع بين المستصحبين ، هل القاعدة تقتضي ترجيح أحد الأصلين أو سقوطهما أو التخيير بينهما؟
يمكن أن يتحقّق موضوع آخر لتعارض الاستصحابين غير أطراف العلم الإجمالي بدون أن يكون بينهما السببيّة والمسببيّة ، كما إذا قام الدليل من الخارج ـ كالإجماع ـ على عدم إمكان الجمع بين المستصحبين ، كما في الماء المتمّم كرّا ، فإذا لم نستفد من الأدلّة طهارته ولا نجاسته ووصلت النوبة إلى الأصل يكون
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ٦٨٧.