فصل
في قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح
ولا بدّ من البحث في القضيّة المشهورة ، وهي : أنّ الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح ، والظاهر أنّ المراد من الطرح أعمّ من طرح أحدهما لمرجّح في الآخر ، فيكون الجمع مع التعادل أولى من التخيير ، ومع وجود المرجّح أولى من الترجيح ، كما يستفاد من كلام الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللئالي ؛ فإنّه قال : «إنّ كلّ حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك : أوّلا : البحث عن معناهما وكيفيّة دلالة ألفاظهما ، فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل والدلالات فاحرص عليه واجتهد في تحصيله ؛ فإنّ العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما وتعطيله بإجماع العلماء ، فإذا لم تتمكّن من ذلك ولم يظهر لك وجهه ، فارجع إلى العمل بهذا الحديث» ـ وأشار بهذا إلى مقبولة عمر بن حنظلة ـ انتهى (١).
ولا يخفى أنّ كلمة «أولى» في القاعدة بمعنى الأولويّة التعيّنيّة ، لا الأولويّة الرجحانيّة ، كما في قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)(٢) ،
__________________
(١) عوالي اللئالي ٤ : ١٣٦.
(٢) عوالى اللئالي ٤ : ١٣٦.