أمّا الأوّل والثاني فواضحان ، وأمّا الثالث فلأنّ التخيير ـ كما عرفت ـ حكم طريقي ومرجعه إلى جواز أخذ كلّ من الخبرين طريقا وأمارة ، فلا مانع من الفتوى بالتخيير.
والتحقيق : أنّ الفتوى بالتخيير في المقام غير قابلة للالتزام ، فإنّ الظاهر منها التخيير في المسألة الفرعيّة ـ كالتخيير بين الخصال الثلاث في كفّارة الإفطار ـ وأنّ حكم الله في المسألة هو التخيير ، مع أنه ليس كذلك ، وجواز الأخذ بكلّ من الخبرين هو التخيير في المسألة الاصوليّة ـ أي التخيير في مقام الأخذ بالحجّة والعمل على طبقه ، ولا يصحّ الخلط بينهما ، فالطريق الثالث بعد عدم دلالة كلّ من الروايتين على التخيير ليس بتامّ.
التنبيه الثالث : في أنّ التخيير بدوي أو استمراري
هل التخيير بدوي مطلقا ، أو استمراري كذلك ، أو تفصيل فيه بين ما إذا قيل باختصاص الخطابات الواردة في المسائل الاصوليّة بالمجتهد فالتخيير بدوي ، وبين ما إذا قيل بعدم الاختصاص فاستمراري؟
ومن المعلوم أنّ التخيير الاستمراري يحتاج إلى إقامة الدليل عليه بخلاف التخيير البدوي ، فإنّه المستفاد من أخبار التخيير إلى هنا ، والمستند هو الأخبار الواردة في التخيير ، ومع قصورها فالاستصحاب.
وقال الشيخ الأنصاري رحمهالله : «إنّ مستند التخيير إن كان هو الأخبار الدالّة عليه فالظاهر أنّها مسوقة لبيان وظيفة المتحيّر في ابتداء الأمر ، فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى حال المتحيّر بعد الالتزام بأحدهما» (١).
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٧٦٤.