والتحقيق : أنّ حديث الرفع كما يرفع الحرمة من المحرّمات الإلهيّة كذلك يرفعها من المحرّمات النبويّة ، وإن قلنا بعدم شمول الحديث للأحكام النبويّة لا بدّ من إرجاعها إلى الأحكام الالهيّة ، وأنّ مخالفة أوامره ونواهيه بمقتضى قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(١) مخالفة الأحكام الإلهيّة ، فالإكراه بالإضرار بالغير يرجع إلى الإكراه بمخالفة أمر الله تعالى بإطاعة الرسول ، فلا يتحقّق استحقاق العقوبة على مخالفته.
الثالث : إذا كان تصرّف المالك في ملكه مستلزما للإضرار بالغير وترك التصرّف موجبا لتضرّر نفسه ـ كما إذا كان حفر البئر في مكان موجبا للإضرار بالجار ، وتركه موجبا لتضرّر نفسه ـ فلا مانع من تصرّفه في ملكه استنادا إلى دليلين :
الأوّل : انصراف قاعدة لا ضرر عن هذا المورد. الثاني : تعارض القاعدة الجارية بالنسبة إلى ترك تصرّف المالك مع القاعدة الجارية بالنسبة إلى تضرّر الجارّ وتصرّفه ، والرجوع إلى الدليل الآخر بعد تساقطهما مثل جريان الاستصحاب في الشكّ السببي والمسبّبي وتعارضهما ، إلّا أنّ الأصل في السبب مقدّم على الأصل في المسبّب بمقتضى القاعدة السببيّة ، وبعد سقوطهما يحكم بجواز تصرّف المالك بمقتضى قاعدة السلطنة.
ولكن يرد عليه أنّ قوله : «لا ضرر ولا ضرار» قضيّة واحدة ، وإذا كان جريانه مستلزما للضرر فينفى بنفس قوله : «لا ضرر» ، وعليه يلزم أن تكون جملة واحدة حاكمة ومحكومة ، وهو كما ترى.
هذا بخلاف الشكّ السببي والمسبّبي فإنّ بعد جريان الأصل في السبب
__________________
(١) النساء : ٥٩.